الصفحة الآنية

الفصل الاول         

الصفحة الماضية

 

 

 

 

الاربعة عشر معصوم (عليهم السلام)

اربعة عشر بحرا من نور

 

 

1-تبسم النبي (ص)

 

ذات يوم رفع رسول الله(ص) رأسه الى السماء فتبسم، فقيل له:

ـــ يارسول الله رأيناك رفعت رأسك الى السماء فتبسمت: فمم ذلك؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

ـــ نعم عجبت لملكين هبطا من السماء الى الارض يلتمسان عبداً مؤمناً صالحاً في مصلى كان يصلي فيه ليكتبا له عمله في يومه وليلته، فلم يجداه في مصلاه فعرجا الى السماء، فقالا ربنا عبدك فلان المؤمن التمسناه في مصلاه لنكتب عمله ليومه وليلته فلم نصبه فوجدناه في حبالك.

فقال الله عز وجل:

ـــ اكتبا لعبدي مثل ما كان يعمله في صحته من الخير في يومه وليلته ما دام في حبالي، فان عليّ ان اكتب له اجر ما كان يعمله اذا حبسته عنه([1]).

 

 

2-مراعاة حق التقدم

 

عطش الامام الحسن عليه السلام فالتمس ماءاً فاتاه رسول الله(ص) بقدح من لبن، فجعل الحسين عليه السلام يثب عليه ورسول الله (ص)يمنعه.

فقالت فاطمة عليها السلام حين رأت ذلك منه:

ـــ كأنه احبهما إليك يارسول الله؟

قال (ص):

ـــ ليس الامر كذلك ، ولكنه استسقى قبله ولابد من مراعاة حق التقدم([2]).

 

  

 

3-بكاء النبي (ص) !

 

كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت ام سلمة. فنهض من فراشه عند السحر يناجي ربه، رافعاً يديه يبكي.

ففقدته ام سلمه من الفراش فقامت تطلبه في جوانب البيت حتى انتهت اليه وهو في جانب من البيت قائم رافع يديه ويقول:

اللهم لاتنزع مني صالح ما اعطيتني ابداً،

اللهم لا تشمت بي عدواً ولا حاسداً،

اللهم لا تردني في سوء استنقذتني منه ابداً،

اللهم ولا تكلني الى نفسي طرفة عين ابداً.

فانصرفت ام سلمة باكية. فسمعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألها عما يبكيها فقالت:

ـــ يارسول الله ! ولم لا أبكي وانت بالمكان الذي انت فيه من الله وتسأله ان لا يشمت بك عدوأً وان لا يردك في سوء استنقذك منه ابداً وان لا يكلك الى نفسك طرفة عين ابدأ.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

ـــ كيف لا أخاف ولا ابكي واخشى عاقبتي يا أم سلمة وقد اوكل الله يونس(ع)([3]) الى نفسه طرفة عين فكان منه ما كان([4]).

 

 

 

4-الاحتجاب من الأعمى

 

قالت أم سلمة:

كنت عند رسول الله (ص)وكانت عنده ميمونة ـــ أحد ازواج النبي ـــ فدخل ابن ام مكتوم على رسول الله (ص) وكان أعمى؛ فالتفت الينا رسول الله وقال:

ـــ احتجبا امام ابن أم مكتوم.

فقلت: اليس هو أعمى يارسول الله؟ فما يعني الخمار والإحتجاب منه.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

ـــ افعمياوان أنتما ؟ الستما تبصرانه ؟ .

وعليه فلا بد للنساء من غض بصرهن امام الاجنبي ايضا وإن كان اعمى([5]).

 

  

 

5-سوء الخلق وضغطة القبر

 

أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن سعد بن معاذ قد مات، فقام النبي (ص) وقام اصحابه معه فأمر (ص) بغسل سعد ـــ وكان يشرف على ذلك بنفسه ـــ وما أن انتهوا من تغسيله وتكفينه حتى وضعوه في التابوت بغية دفنه؛ فتبعهم رسول الله (ص) بلا حذاء ولا رداء ثم يأخذ يمنة التابوت مرة ويسرته اخرى حتى انتهى به الى القبر، فنزل رسول الله (ص) حتى لحده وجعل يأمرهم قائلاً:

ـــ ناولوني حجراً، ناولوني تراباً.

ثم سوى (ص) قبره بيده الشريفة، فلما فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال (ص):

ـــ اني لأعلم ان هذا القبر سيبلى ويصل البلى اليه. لكن الله يحب عبدا اذا عمل عملاً احكمه.

وبينما هم كذلك قالت أم سعد وهي واقفة بجانب القبر:

ـــ ياسعد هنيئاً لك الجنة.

فقال رسول الله (ص):

ـــ يا أم سعد مه لا تجزمي على ربك فان سعدا قد اصابته ضمة.

ثم رجع رسول الله (ص) ورجع الناس، فقالوا له:

ـــ يارسول الله! لقد رأيناك صنعت مع سعد ما لم تصنعه لأحد؛ انك تبعت جنازته بلا رداء ولاحذاء.

فقال (ص):

ـــ ان الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء فتأسيت بها.

قالوا: كنت تأخذ يمنة التابوت مرة ويسرته اخرى!

قال (ص):

ـــ لقد كانت يدي بيد جبرئيل فكنت آخذ ما تأخذه يده.

قالوا يارسول الله: لقد صليت على جنازته ولحدته في قبره وسويته بيدك وتقول لقد ضغط في قبره.

فقال (ص):

ـــ نعم لقد كان لسعد شيء من سوء الخلق مع أهل بيته([6]).

  

 

6-الدراهم الاثنا عشر المباركة

 

جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرآه يرتدي ثوباً بالياً فسلمه اثنى عشر درهماً وقال:

ـــ يارسول الله ! اشتر لك ثوباً بهذه النقود.

فقال رسول الله (ص) لعلي (ع):

ـــ خذ هذه الدراهم فاشتر لي ثوباً.

قال علي (ع):

فاخذت الدراهم وجئت الى السوق فاشتريت له قميصاً باثنى عشر درهماً وجئت به الى رسول الله (ص) فنظر اليه رسول الله(ص) فقال: لا ارغب بهذا القميص اريد ارخص منه، اترى صاحبه يقيلنا؟ قال الامام علي (ع) فذهبت بالقميص الى البائع، وابلغته بما أمرني به النبي (ص) فقبل مني ورد الي الدراهم. ثم رجعت بها الى النبي (ص) فمشى معي الى السوق ليبتاع قميصاً ، فرأى (ص) جارية على قارعة الطريق تبكي ، فاقترب منها (ص) وقال لها:

ـــ مم بكاؤك؟

قالت الجارية: يا رسول الله إن أهل بيت اعطوني اربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة فضاعت، فلا اجرأ ان ارجع اليهم.

فأعطاها النبي (ص) اربعة دراهم وقال:

ـــ اشتري ما تبغين وارجعي الي بيتك .

ثم مضى (ص) الى السوق فاشترى قميصاً باربعة دراهم ولبسه وحمد الله وحين رجع من السوق رأى عرياناً؛ فخلع (ص) قميصه الذي اشتراه وكساه السائل . ثم ذهب ثانية الى السوق فاشترى بالاربعة دراهم التي بقيت قميصاً آخر فلبسه ورجع االى البيت واذا به يرى تلك الجارية على قارعة الطريق ايضاً وقد بدت عليها الحيرة والاضطراب . فقال لها:

ـــ لم لم ترجعي الى بيتك؟

قالت: يارسول الله (ص) لقد ابطأت عليهم واخاف ان يضربوني.

فقال (ص): فلنذهب معاً ودليني على اهلك فسأكون شفيعك اليهم في العفو عنك.

فانطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت:

ـــ هذا هو البيت يارسول الله.

فنادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلف الباب قائلاً:

ـــ السلام عليكم يا أهل الدار.

فلم يجيبوه، فاعاد صلى الله عليه وآله وسلم السلام فلم يجيبوه، ثم سلم أخرى، فقالوا:

ـــ وعليك السلام يارسول الله ورحمة الله وبركاته.

فقال (ص): ما لكم تركتم اجابتي في أول السلام؟ الم تسمعوا صوتي؟

قالوا: نعم فقد سمعناك وعرفناك.

قال (ص): فلم لم تجيبوا؟

قالوا: احببنا أن نستكثر منه.

قال (ص): لقد ابطأت هذه الجارية عليكم ارجو الا تؤاخذوها.

قالوا: يا رسول الله (ص) فهي حرة لمجيئك.

فقال (ص): الحمد لله، يا لها من أثنى عشر درهماً مباركة كسا الله بها عريانين واعتق بها جارية([7]).

 

 

7- وصايا النبي (ص)

 

دخل شخص على رسول الله (ص) فقال له: عظني.

فقال له (ص):

اوصيك بتقوى الله والا تشرك به شيئاً وان عذبت واحرقت بالنار،

بر والديك حيين كانا أم ميتين، وإن امراك فاطعهما فان ذلك علامة الايمان،

وتصدق على أخيك المؤمن مما فضل عندك،

الق أخاك بوجه طلق،

ولا تحقرن احدأً من الناس وارأف بهم!

واذا لقيت احداً من المسلمين فابدأه بالسلام ادع الناس للإسلام وعبادة الله وتوحيده،

واعلم ان لقضائك حوائج الآخرين ثواب عتق رقبة، رقبة من اولاد يعقوب(ع).

واعلم ان الخمرة والمسكرات حرام([8]).

 

 

8-البكاء على اليتامى

 

لقد استشهد الكثير من جند الاسلام في معركة احد، وكان من بينهم حمزة (ع) عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى شاع حينها ان رسول الله (ص) قد استشهد. فانطلقت نساء المدينة نحو احد وفيهن بنت النبي (ص) فاطمة الزهراء (ع) ثم رجعن الىالمدينة بعد ان تأكدن من سلامته ثم رجع رسول الله (ص) فبلغ مقربة من المدينة، فاستقبلته النساء ثانية يولولن ويبكين. فالتفت رسول الله (ص) الى النساء وكانت بينهن زينب بنت جحش فقال لها:

ـــ اصبري واحتسبي.

قالت: من يا رسول الله؟

قال: شهادة اخيك عبد الله.

قالت: هنيئاً له الشهادة.

قال (ص): احتسبي.

قالت: من؟

قال: خالك حمزة (ع)؟

قالت: إنا لله وإنا اليه راجعون، هنيئاً له الشهادة.

فاطرق (ص) هنيئة وقال لها: اصبري.

قالت: من؟

قال (ص): زوجك مصعب بن عمير.

فانفجرت بالبكاء وارتفع انينها. فلما سُئلت عن بكائها على زوجها، قالت:

ـــ ان بكائي ليس عليه. فقد فاز بالشهادة في ركاب رسول الله(ص) غير ان بكائي على يتاماه. فما عساني اجيبهم ان التمسوا اباهم([9]) .

 

 

9-مداراة الاخوان

 

بينما كان رسول الله (ص) جالساً بين اصحابه اذ ابتسم حتى بدت نواجذه! فسألوه عن ذلك فقال (ص):

ـــ يؤتي بشخصين من امتي يوم القيامة، فيقول احدهم:

الهي، خذ لي بحقي منه!

فيقول سبحانه وتعالى: اعط حق اخيك!

فيقول: الهي لم يبق لي شيئاً من اعمالي الصالحة ، وليس لدي شيء من متاع الدنيا.

آنذاك يقول صاحب الحق : الهي! فاحمل عليه من سيئاتي !

وهنا دمعت عينا رسول الله (ص) ثم قال:

ـــ ذلك يوم يحتاج فيه الناس من يحمل سيئاتهم.

فيقول الله لذلك الشخص الذي يطلب حقه:

ارجع بصرك وانظر الى الجنة، فماذا ترى فيرفع رأسه، فيرى عجباً ـــ مما لا يوصف من الاء الله ونعمته ـــ

فيقول: لمن هذه؟

يقول عز وجل: لمن يعطيني ثمنها.

فيقول: ومن له بثمنها؟

يقول سبحانه: انت.

فيسأل: كيف ذاك ؟

فيقول سبحانه: بعفوك عن أخيك.

فيقول : اللهم لقد عفوت عنه.

فيقول تعالى: فخذ بيد أخيك وادخلا الجنة!

ثم قال (ص) فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم([10]).

 

 

10-الاجتهاد والغنى

 

دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليسأله شيئا، فسمع النبي يقول:

من سألنا اعطيناه ومن استغنى اغناه الله.

فانصرف الرجل دون أن يسأل حاجته رسول الله (ص). ثم جاء ثانية للنبي (ص) وانصرف ايضا وفي اليوم الثالث استأجر فأسا فذهب اعلى الجبل وجمع بها حزمة من الحطب ثم باعها بنصف صاع من الشعير (تقريبا كيلو ونصف) وأكلها مع عياله، ثم استمر في عمله حتى اشترى طبرا ثم اشترى عبدا وجملين فاصبح ذا مكنة.

فجاء الى النبي صلى الله عليه وآله وأخبره القضية فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

ـــ ألم أقل من سألنا اعطيناه ومن استغنى اغناه الله([11])

 

 

11-علي عليه السلام والعدالة

 

ان احدى خصائص الامام علي عليه السلام تكمن في التسوية بين الناس في العطاء من بيت مال المسلمين ولم يكن يفضل احد على آخر، وهذا ما دفع بالبعض من اصحابه للالتحاق بمعاوية. فاقترح عليه بعض اصحابه استهوائهم بالاموال والاجزال لهم في العطاء، فغضب عليه السلام وقال:

اتأمرونني ان اطلب النصر بالجور لا والله لا افعل ما طلعت شمس ولاح في السماء نجم؛ والله لو كان المال لي لساويت بينهم، وكيف وانما هي اموالهم.

ثم قال (ع):

ان اعطاء المال في غير حقه تبذير واسراف وهو ان كان ذاكراً لصاحبه في الدنيا فهو تضييعة عند الله، ولم يضع رجل ماله في غير حقه وعند غير اهله الا حرمه الله شكرهم، وليس له بذلك الا محمدة اللئام وثنائهم فان زلت به النعل فاحتاج الى معونتهم او مكافأتهم فهم شر خليل وألأم خدين([12]).


 

12-وقائع الوادي اليابس

 

قال ابو بصير: سألت الامام الصادق (ع) عن سورة والعاديات.

فقال (ع): لقد نزلت هذه السورة في واقعة الوادي اليابس.

فسألته قائلاً: وما كان حالهم وقصتهم؟

فقال (ع): ان اهل الوادي اليابس اجتمعوا اثنى عشر الف فارساً، وتعاقدوا وتواثقوا ان لا يتخلف رجل عن رجل ولا يخذل احدٌ احداً ولا يفر رجل عن صاحبه حتى يموتوا كلهم ويقتلوا محمد(ص) وعلياً (ع) فنزل جبرئيل على محمد (ص) فأخبره بقصتهم.

فبعث (ص) لهم باديء ذي بدء ابا بكر في اربعة آلاف فارس، فعاد دون ان يحقق شيئا وكذلك بعث عمرا فكان كأبي بكر فبعث (ص) اخيراً بعلي (ع) في اربعة آلاف فارس من المهاجرين والانصار فسمع اهل الوادي اليابس بمقدم علي (ع) وجيوش المسلمين. فخرج اليهم العدو بمئتي رجل شاكين السلاح، فبرز اليهم علي (ع) في نفر من اصحابه فقالوا :

ـــ من أنتم؟ ومن اين اقبلتم؟ وماذا انتم فاعلون؟

فقال (ع):

ـــ انا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله (ص) واخوه ورسوله، ادعوكم الى شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله. فان قبلتم لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم من خير وشر.

قالوا: قد سمعنا مقالتك، فاستعد للقتال، واعلم اننا اياك اردنا وانت طلبتنا وانا قاتليك واصحابك، وموعدنا الصبح.

فقال (ع): ويحكم! تهددوني بكثرتكم؟ فانا استعين بالله وملائكته والمسلمين عليكم ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

فانصرفوا الى مواضعهم وانصرف علي (ع) وصحبه الى مراكزهم، واستعدا للقتال، فلما جن الليل امر اصحابه ان يحسنوا الى دوابهم ويقضموا ويسرجوا. فلما انشق عمود الصبح صلى (ع) بالناس ثم غار عليهم. ولم يعلموا بهجوم المسلمين حتى وطئهم الخيل فما ادرك آخر اصحابه حتى قتل جل مقاتليهم وسبى ذراريهم واستباح اموالهم.

ونزل جبرئيل فاخبر رسول الله (ص) بما فتح الله على علي وجنود الاسلام. فصعد (ص) المنبر، فحمد الله واثنى عليه، واخبر المسلمين بالنصر واعلمهم انه لم يصب منهم الا رجلان.

ثم خرج النبي (ص) ومعه المسلمون من المدينة ليستقبل علياً، حتى لقيه على اميال من المدينة. فلما رآه علي (ع) مقبلا نزل من دابته ونزل النبي (ص) وقبل ما بين عينيه، فنزل المسلمون الى على عليه السلام ، الذي اقبل بالغنائم والأسارى والاموال التي حصلوا عليها من أهل الوادي اليابس. فانزل الله على رسوله
]والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا * فأثرن به نقعا * فوسطن به جمعا[ .. فسالت دموع الفرح بين عيني رسول الله (ص) فقال لعلي (ع):

لولا اني اشفق ان تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملأ من الناس ألا اخذوا التراب من تحت قدميك([13]).

 

 

13-الفتى المتمرد

 

خرج الامام علي (ع) ذات يوم شديد الحرارة فرآه سعد بن قيس فسأله قائلاً:

ـــ يا أمير المؤمنين! مالذي اخرجك من البيت بهذه الساعة؟

قال عليه السلام:

ــ لأعين مظلوماً او اغيث ملهوفاً.

فبينما هو كذلك اذ أتته امرأة مضطربة قلقة، وقالت:

ـــ يا أمير المؤمنين ظلمني زوجي وحلف ليضربني.

فطأطأ رأسه (ع) ثم رفعه وهو يقول:

ـــ لا والله! حتى يؤخذ للمظلوم حقه غير متعتع.

ثم سألها (ع): اين منزلك؟

فدلته عليه. فانطلق معها حتى انتهت الى المنزل فوقف (ع) امام المنزل وسلم وخرج له شاب عليه إزار ملوّن، فقال له (ع):

ـــ إتق الله فقد اخفت زوجتك واخرجتها من البيت.

فرد الشاب بكل وقاحة:

ـــ وما أنت وذاك، والله لأحرقنها بالنار لكلامك.

فغضب عليه السلام وسل سيفه وقال له:

ـــ آمرك بالمعروف وأنهاك عن المنكر، فتنكر علي؟ تب وإلا قتلتك..

فاقبل بعض الناس حتى بلغوا عليا عليه السلام فسلموا عليه بإمرة المؤمنين وناشدوه العفو عنه. وهنا التفت ذلك الشاب الذي لم يكن يعرفه آنذاك فطأطأ رأسه خجلا ثم قال:

ـــ اعف عني يا أمير المؤمنين، والله لأكونن لها ارضا تطؤني.

 فعفا عنه عليه السلام وأمرها بالدخول الى منزلها واوصاها بزوجها خيرا([14]).

   

 

14-علي عليه السلام وبيت المال

 

قال زاذان انطلقت مع قنبر غلام الامام علي عليه السلام فقال له قنبر:

ـــ يا أمير المؤمنين لقد خبّأت لك خبيئا؟

قال عليه السلام:

ــ وما هو ويحك؟

قال: غرارة مملوءة بالذهب والفضة فقد رأيتك لا تترك شيئا من غنائم وأموال بيت المال الا قسمته، فادخرت لك هذا من بيت المال.

فسل عليه السلام سيفه وقال لقنبر:

ـــ ويحك يا قنبر؟ لقد أحببت أن تدخل بيتي نارا عظيمة؟

ثم ضربها ضربات كثيرة فجعلها قطعا ودعا بالناس لتقسم عليهم بصورة عادلة([15]) .

 

 

15-علي عليه السلام واليتامى

 

نظر علي عليه السلام الى امرأة على كتفها قربة ماء، فاخذ منها القربة وحملها الي موضعها وسألها عن حالها فقالت:

ـــ بعث عليّ زوجي الى بعض الثغور، فقتل وترك عليّ صبياناً يتامى وليس عندي شيء فقد الجأتني الضرورة الى خدمة الناس.

فانصرف الامام (ع) وبات ليلته قلقاً، فلما اصبح حمل زنبيلاً فيه طعام فقال بعضهم: اعطني احمله عنك.

فقال عليه السلام: من يحمل وزري عني يوم القيامة.

فأتى وقرع الباب.

فقالت: من هذا؟

قال: انا ذلك العبد الذي حمل معك القربة فافتحي الباب فان معي شيئاً للصبيان.

فقالت: رضى الله عنك، وحكم بيني وبين علي بن ابي طالب.

فدخل وقال: اني احببت اكتساب الثواب فاختاري بين ان تعجنين وتخبزين وبين ان تعللين الصبيان.

فقالت: انا بالخبز ابصر وعليه اقدر، ولكن شأنك والصبيان فعللهم حتى افرغ من الخبز

قال فعمدت الى الدقيق فعجنته، وعمد علي عليه السلام الى اللحم فطبخه وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر، فكان كلما ناول الصبيان من ذلك شيئاً قال له:

ـــ يا بني اجعل علي بن أبي طالب عليه السلام في حل مما امر في امرك.

فلما اختمر العجين، اسجر علي عليه السلام التنور وكان يقرب وجهه لتلقحه النار ويقول:

ـــ ذق يا علي طعم النار فهذا جزاء من ضيع اليتامى والارامل.

واذا بأمرأة قد دخلت ذلك المنزل وكانت تعرف علياً عليه السلام فلما رأته بادرت مسرعة لصاحبة الدار ثم قالت لها :

ـــ ويحك! هذا امام المسلمين وامير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام.

فقصدته مذهولة وهي تقول:

ـــ وا حيائي منك يا أمير المؤمنين! اعف عني!

قال عليه السلام:

ـــ بل وا حيائي منك يا أمة الله، فيما قصرت في أمرك وأمر يتاماك([16]).

 

 

 

16-على بن ابي طالب )على لسان عمر

 

قال ابو وائل كنت مع عمر اذ التفت خلفه ينظر خائفاً.

 قلت: مم خوفك؟

قال: ويحك اما ترى القثم بن القثم، الكريم، مجندل الشجعان، الضارب على هامة من ظلم وطغى؟

قلت: هذا علي بن ابي طالب.

قال: انك لا تعرفه حق معرفته! فتعال احدثك عن شجاعته.

قال فاقتربت منه، فاذا هو يقول:

ـــ بايعنا رسول الله (ص) يوم احد ان من فرّ منا فهو ضال ومن قتل فهو شهيد والرسول يضمن لـه الجنة. فلما شبت لظى الحرب هجم علينا العدو بمئة فارس وبأمرة كل فارس مئة مقاتل فهزمونا وهذا كان يحاربهم وحيدا. فرأيته كالأسد قد قطع علينا الطريق فرمانا بقبضة من الرمل، فما كان منا الا واصابت عينه رملة وهو يرعد غاضبا‍:

ـــ شاهت الوجوه، اين تفرون؟ اتريدون الى النار؟

فلم نعد الى الميدان. فحمل علينا ثانية والدم يقطر من سيفه وهو يقول:

ـــ لقد عاهدتم فنقضتم العهد، فو الله لأنتم اولى بالقتل من الكفار.

فنظرت عينيه كأنها السراج المنير، فايقنت انه سيحمل علينا فيقتلنا جميعاً ‍ فبادرته قائلا:

ـــ الله، الله يا أبا الحسن فعادة العرب الكر والفر في الحرب.

فاشاح بوجهه عني وما زالت هيبته الى اليوم في قلبي ولن انساها ابداً([17]).

 

 

17-جهاز الزهراء

حين اراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يزوج عليا (ع) من الزهراء (ع) قال:

ـــ يا علي قم فبع الدرع.

فباعه علي (ع) وجاء بثمنه الى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأمر (ص) بعض الصحابة بشراء بعض الأثاث . فكان ما اشتراه عبارة عن:

قميص بسبعة دراهم

خمار باربعة دراهم

قطيفة سوداء خيبرية

سرير مزمل بشريط

فراشين من خيش حشو أحدهما ليفا وحشو الآخر من جز الغنم.

اربع مرافق من آدم الطائف حشوها أذخر.

ستر من صوف .

حصير هجري ( اسم مدينة في اليمن )

رحى لليد.

مخضب من النحاس .

سقاء من آدم .

شن للماء .

مطهرة مزفتة

جرة خضراء .

كيزان خزف.

سفرة من الجلد.

عباءة كوفية.

جرة ماء

عطور (طيب)

ولما عرض المتاع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل يقلبه بيده ويقول:

ـــ بارك الله لأهل بيت جل متاعهم من الخزف([18]).

 

 

 

18-تسبيح الزهراء عليها السلام

 

قال امير المؤمنين عليه السلام لأحد اصحابه:

ـــ الا احدثك عني وعن فاطمة عليها السلام ؟ انها استقت بالقربة حتى اثر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، واوقدت النار لطبخ الطعام حتى دكنت وبليت ثيابها.

فقلت لها لو اتيت اباك فسألتيه، لعله يبعث لك بخادم يكفيك ما أنت فيه؛ فامتثلت وقصدت النبي (ص) فوجدته يتكلم مع بعض اصحابه، فعادت دون ان تكلمه؛ فعلم رسول الله (ص) انها جاءت لحاجة فغدا علينا في اليوم التالي، فسلم علينا وجلس قربنا، فقال:

ـــ يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس؟

فاستحت فاطمة فلم تجبه. فقلت:

ـــ يارسول الله (ص) لقد استقت الماء حتى اثر حبل القربة في صدرها، وطحنت بالرحى حتى ...الخ فقلت هلا أتيتي رسول الله (ص) فيبعث لك خادماً.

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

ـــ افلا اعلمكما ما هو خير لكما من الخادم . اذا اخذت منامك فسبحي ثلاثا وثلاثين مرة واحمدي ثلاثا وثلاثين مرة وكبري اربعا وثلاثين مـرة([19]).

فهذا الذكر مئة مرة الا ان ثوابه في صحيفة الاعمال بالف حسنة. فاذا ذكرت ذلك كل صباح قضى الله حوائجك في الدنيا والآخرة.

فقالت عليها السلام ثلاثا: رضيت عن الله ورسوله .

وجاء في موضع آخر:

انها قصت خبرها على رسول الله (ص) وسألته خادما، بكى رسول لله (ص) وقال:

ــ يافاطمة والذي بعثني بالحق ان في المسجد اربعمائة فقير ما لهم طعام ولا ثياب! واني اخشى ذهاب ثواب خدمتك في البيت ان كان لك جارية. واني اخاف ان يخصمك علي بن ابي طالب عليه السلام يوم القيامة اذا طلب حقه منك!

ثم علمها التسبيح قال علي (ع) فقلت لها:

ـــ مضيت تريدين من رسول الله (ص) الدنيا فاعطانا الله ثواب الأخرة([20]).

 

 

19-الزهراء عليها السلام وفضل التعليم

 

حضرت امرأة عند السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت:

ـــ ان لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في امر صلاتها شيئا وقد بعثتني اليك اسألـك.

فأجابتها عليها السلام فسألتها ثانية حتى عشّرت. فاجابت عليها السلام ثم خجلت من كثرة الاسئلة، فقالت:

ـــ لا اشق عليك يا إبنة رسول الله (ص).

قالت عليها السلام:

ـــ لا بأس عليك سلي عما بدا لك فانا أجيب، أرأيت من اكترى يوماً يصعد الى سطح بحمل ثقيل وكراه مائة الف دينار، يثقل عليه؟

قالت المرأة:

ـــ لا، فهو يتسلم مقابله اجر كبير.

قالت عليها السلام:

ـــ فان الله يعطيني لكل مسألة ما بين الثرى الى العرش لؤلؤا فأحرى ان لا يثقل عليّ، سمعت ابي (ص) يقول:

ـــ علماء شيعتنا يحشرون يوم القيامة فيخلع عليهم من خلع الكرامات حتى يخلع على الواحد منهم مليون حلة من النور، ثم ينادي منادي ربنا عز وجل: ايها الكافلون لايتام آل محمد (ص) هؤلاء تلامذتكم فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا فيخلعون على البعض منهم مأة الف خلعة. يقول سبحانه: اعيدوا على هؤلاء العلماء حتى تتموا خلعهم . ثم يأمر مضاعفتها على من تعلم منهم ...

ثم قالت عليها السلام لتلك المرأة:

ـــ يا أمة الله! ان سلكة من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس الف الف مرة فان نعم الدنيا مشوبة بالتنغيص والكدر . وليست نعم الآخرة كذلك([21]).

 

 

20-المكانة العلمية للزهراء(ع) وفضل العلم

 

اختصمت الى الزهراء عليها السلام إمرأتان في شيء من أمر الدين احدهما مؤمنة والأخرى معاندة، ففتحت على المؤمنة حجتها فاستظهرت على المعاندة بعد ان استدلت عليها السلام بالدليل الناصع والبرهان القاطع، ففرحت فرحا شديدا فقالت لها عليها السلام:

ـــ ان فرح الملائكة باستظهارك عليها اشد من فرحك، وان حزن الشيطان ومردته اشد من حزنها.

قال الامام العسكري عليه السلام:

ـــ فأوحى الله الى الملائكة ان اوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المؤمنة من الجنان الف الف ضعف ما كنت اعددت لها واجعلوا هذه سنة في كل من يفتح على مؤمن ـــ فيغلب عدوه المعاند ـــ الف الف ما كان معدا له من الجنان([22]).

 

 

 

21-الجار ثم الدار!

 

قال الإمام الحسن عليه السلام:

ـــ رأيت أمي الزهراء (عليها السلام) ليلة الجمعة راكعة ساجدة وهي تدعو للمؤمنين باسمائهم حتى طلع الفجر ولم تكن تدع لنفسها فقلت:

ـــ يا أماه مالك لا تدعين لنفسك؟

قالت عليها السلام:

ـــ يا بني الجار ثم الدار([23]).

  

 

22-تبسم الزهراء وبكاؤها

 

قالت عائشة ـــ زوج النبي (ص) ـ:

ـــ كانت فاطمة اشبه الناس برسول الله (ص) وكانت اذا دخلت عليه رحب بها وضمها الى صدره وأخذ بيدها واجلسها مجلسه . واذا دخل عليها رحبت به وقبلت يديه.

ولما مرض رسول الله (ص) واعتل علة الموت دعاها اليه فسرها، فرأيتها تبكي، ثم سرها (ص) فضحكت فقلت لنفسي هذه مزية اخرى لفاطمة فقد تمكنت من الضحك رغم امتعاضها وبكاءها. فسألتها الخبر، فقالت:

ـــ ليس من الصواب كشف الاسرار.

ثم سألتها ذلك بعد أن توفى رسول ا لله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت:

ـــ اخبرني (ص) انه يموت فبكيت ثم اخبرني بأني اول أهله لحوقا به فسررت وضحكت([24]).

 

 

23-الغلام الفطن

 

يذكر ان غلاما للإمام الحسن عليه السلام جنى جناية، فامر به أن يضرب، فتلى الغلام الآية قائلاً:

ـــ يامولاي ]والكاظمين الغيظ[.

فقال عليه السلام: كظمت غيظي؛

قال: ]والعافين عن الناس[.

قال عليه السلام: عفوت عنك.

قال سيدي: والله يحب المحسنين.

فقال عليه السلام: انت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت اعطيك([25]).

 

 

24-ابن النبي وابن علي

 

دعا علي عليه السلام في معركة الجمل محمد بن الحنفية فاعطاه رمحه وقال له:

ـــ احمل على العدو بهذا الرمح.

فأخذه وحمل عليهم غير انهم منعوه وحالوا دون زحفه، فانسحب ورجع الى الوراء فانتزع الحسن عليه السلام الرمح من يده وحمل على العدو ثم رجع الى والده وعلى رمحه أثر الدم، فتمغر([26]) وجه محمد من ذلك واحمر خجلا لما رأى من شجاعة الحسن عليه السلام، فقال له علي عليه السلام:

ـــ لا تأنف فانه ابن النبي وانت ابن علــي([27]).

  

 

25-رفض تزويج معاوية

 

تولى معاوية خلافة المسلمين وحكم اغلب البلاد الاسلامية بعد شهادة امير المؤمنين علي عليه السلام فكتب الى مروان ـــ عامله على المدينة ـــ ان يخطب ليزيد، بنت عبدالله بن جعفر (ابن أخ الامام علي عليه السلام) على حكم ابيها في الصداق وقضاء دينه بالغا ما بلغ اضف الى ذلك فان هذا الزواج سيؤدي الى صلح الحيين بني هاشم وبني أمية .

فانطلق مروان الى عبدالله بن جعفر يخطب اليه؛ فقال عبدالله:

ـــ ان أمر نسائنا الى الحسن بن علي عليه السلام فاطلب اليه.

فأتى مروان الحسن عليه السلام خاطباً فقال الحسن عليه السلام:

ـــ اجمع من اردت لأعلن لكم رأيي.

فدعي اشراف بني هاشم وبني أمية. ونهض مروان فحمد الله واثنى عليه ثم قال :

ـــ أما بعد فأن معاوية امرني ان اخطب زينب بنت عبدالله بن جعفر([28]) على يزيد بن معاوية وفق الشروط التالية:

1 ـــ قبول ما يحكم به ابوها في الصداق

2 ـــ اداء دين أبيها بلغ مابلغ

3 ـــ الصلح بين طائفتي بني هاشم وبني امية

4 ـــ ان يزيد بن معاوية كفو من لا كفو له. ولعمري لمن يغبطكم بيزيد اكثر من يغبطه بكم .

5 ـــ يزيد من يستسقي الغمام بوجهه

ثم سكت وجلس.

فقام الحسن عليه السلام فحمد الله واثني عليه، وقال:

ـــ اما بشأن الصداق فلسنا نعدل في قيمته عن سنة النبي (ص)([29])، واما دين أبيها فليست نسائنا اللاتي يؤدين عن آبائهن، واما الصلح بين الطائفتين، فإنا عاديناكم لله وفي الله فلا نصالحكم للدنيا، واما افتخارنا بيزيد اكثر من افتخاره بنا، فان كانت الخلافة فاقت النبوة فنحن المغبوطون به وان كانت النبوة فاقت الخلافة فهو المغبوط بنا، واما قولك ان الغمام يستسقي بوجه يزيد فان ذلك لم يكن الا لآل النبي (ص) وقد رأينا ان نزوجها ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر، وقد زوجتها منه وجعلت مهرها ضيعتي التي بالمدينة فلها فيها غنى وكفاية.

فقال مروان:

ــ اغدراً يا بني هاشم؟

قال الحسن عليه السلام:

ــ أجل . واحدة بواحدة. فقد كان هذا جوابا لما نطقت به.

فيأس مروان وكتب بذلك لمعاوية. فقال معاوية :

خطبنا اليهم فلم يفعلوا، ولو خطبوا الينا لما رددناهم([30]).

 

 

 

26-الرفق بالحيوان

 

كان الامام الحسن عليه السلام يتناول الطعام وامامه كلب، فطرح للكلب لقمة.

فقال له احدهم:

ـــ يا بن رسول الله ‍ ألا ادفع هذا الكلب.

قال عليه السلام:

ـــ دعه اني لأستحي من الله ان يكون ذو روح ينظر الى طعامي ولا اطعمه واطرده([31]).

 

 

27-الباكون على الحسين عليه السلام

 

لما اخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته فاطمة عليها السلام بشهادة ولدها الحسين عليه السلام ولما يجري عليه من مصائب ومحن بكت بكاءاً شديدا وقالت:

ـــ يا أبه؟ متى يكون ذلك؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم:

ـــ في زمان خال مني ومنك ومن علي .

فاشتد بكاؤها وقالت:

ـــ فمن يبكيه يا أبه؟ ومن يلتزم باقامة العزاء؟

فقال صلى الله عليه وآله: يا فاطمة ان نساء امتي يبكون على نساء اهل بيتي ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فاذا كان يوم القيامة تشفعين انت للنساء وأنا اشفع للرجال، وكل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وادخلناه الجنة.

يافاطمة كل عين باكية يوم القيامة الا عين بكت على مصاب الحسين فانها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة([32]).


 

28-علاج المعصية

 

ان رجلا دخل على الحسين عليه السلام فقال:

ـــ انا شخص مذنب ولا أملك نفسي عن ارتكاب المعاصي، فعظني يا بن رسول الله.

قال عليه السلام:

ـــ عليك بخمس واذنب بعدها ماشئت:

اولا: لا تأكل من رزق الله واذنب ما شئت.

ثانيا: أن تخرج من ولاية الله وتذنب ماشئت

ثالثا: ان تذنب في موضع لا يراك فيه الله .

رابعا: اذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عنك واذنب ماشئت .

خامسا: اذا أمر بك مالك الى النار فلا تدخل. اذا فعلت ذلك فاذنب ماشئت([33]).

 

 

29-عظمة اصحاب الحسين عليه السلام

 

تكلم اصحاب الحسين عليه السلام الاوفياء ليلة عاشوراء بكلام يشبه بعضه بعضا يعلنون فيهم وفاءهم واخلاصهم لإمامهم. فبلغ احدهم ويدعى محمد بن بشر الحضرمي نبأ اسر ابنه بثغر الري على ايدي الكفار. فقال محمد:

ـــ عند الله أحتسبه، لا أحب ان يؤسر وانا أبقى بعده.

فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال له:‍

ـــ انت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك ‍‍‍.

فقال الحضرمي: اكلتني السباع حيا ان فارقتك.

فاعطاه الحسين عليه السلام خمسة اثواب يمانية ـــ قيمتها الف دينار ـــ وقال له:

ـــ اعط ابنك الآخر هذه النقود ( كهدية ) يستعين بها لفداء اخيه من العدو([34]).

 

 

30-عاقبة ابن زياد

 

بعث ابراهيم بن مالك الاشتر برؤوس ابن زياد وبعض قواده الى المختار، وكان المختار يأكل الطعام فطرحت الرؤوس عنده. فقال:

ـــ لقد اتي برأس الحسين عليه السلام ووضع بين يدي ابن زياد حين كان يأكل الطعام. وقد أتي برأس ابن زياد الي كذلك فلله الحمد. فاذا بحية بيضاء تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخر ابن زياد وخرجت من أذنه، وتكرر ذلك مرارا. فقام المختار من مكانه واخذ يضرب وجه ابن زياد بنعله ثم اعطاه غلامه وقال له:

ـــ اغسله فقد مس جسدا نجسا!

ثم بعث المختار بالرؤوس الى محمد بن الحنفية في الحجاز. فبعث بها ابن الحنفية الى الامام السجاد عليه السلام وكان حينها يأكل الطعام فقال:

ـــ لقد أتي برأس أبي الى ابن زياد فكان يأكل الطعام فدعوت الله أن يريني رأس ابن زياد على مائدة الطعام، ففعل وله الحمد على ذلك([35]).

 

 

31-الوعظ الفارغ

 

مر الامام زين العابدين عليه السلام بالحسن البصري وهو يعظ الناس بمنى فقال (ع) :

ـــ امسك عن الكلام ياحسن لأسألك فهل انت راضي لنفسك عن الحال التي فيها مقيم فما بينك وبين الله للموت اذا نزل بك غدا؟

اجــاب: لا ! لست راضيا.

قال عليه السلام:

ــ افتحدث نفسك بالتحول والانتقال عن هذه الحال التي لا ترضاها الى الحال التي ترضاها؟

فاطرق الحسن البصري مليا ثم قال:

ـــ كلما عاهدت نفسي اخلفت ولم يكن ذلك مني سوى لقلقة لسان.

فقال عليه السلام :

ــ أترجو نبيا يأتي بعد محمد (ص) له معرفة بك؟

قال: لا.

قال عليه السلام:

ــ افترجو دارا غير الدار التي أنت فيها ترد اليها فتعمل فيها؟

قال: لا.

فقال عليه السلام:

ــ أفرأيت احدا به مسكه عقل رضي لنفسه من نفسه بهذا. انت لا تحدث نفسك جديا بتغيير حالك ـــ ولا ترجو نبياً بعد محمد ولا دارا غير الدار التي انت فيها ـــ ومع ذلك تعظ الناس؟

فلما انصرف الامام عليه السلام قال الحسن البصري:

ـــ من هذا ؟

قالوا: علي بن الحسين عليه السلام.

قال: هم أهل بيت العــلم .

قيل فما رؤي الحسن البصري بعد ذلك يعظ الناس([36]).

 

  

 

32-عاقبة المستهزئين بحديث النبي (ص)

 

قال الامام زين العابدين عليه السلام:

ـــ ما ندري كيف نصنع بالناس ان حدثناهم بما سمعنا من رسول الله (ص) سخروا، ولا يسعنا ان نسكت عن ذكر هذه الحقائق.

فقال ضمرة بن معبد : حدثنا عما سمعت.

قال عليه السلام: هل تدرون ما يقول عدو الله اذا حمل على سريره الى القبر؟

قال: فقلنا لا.

قال عليه السلام: انه يقول لحملته الا تسمعون أني اشكو اليكم عدو الله خدعني واوردني هذا المورد السيء واشكو اليكم اخوانا واخيتهم فخذلوني واولاد حاميت عنهم فخذلوني، ودارا انفقت عليها ثروتي فصار سكانها غيري فارفقوا بي وارحموني ولا تستعجلوا.

قال ضمرة: لو كان له ان يتحدث هكذا لو ثب على ايدي حامليه!

فقال عليه السلام : اللهم ان كان ضمرة هزأ من حديث رسولك فخذه.

قيل فمكث ضمرة اربعين يوما ثم مات، فحضر دفنه غلام له، ثم أتى زين العابدين عليه السلام فجلس اليه فقال له:

ــ من أين جئت؟

قال:

ــ من جنازة ضمرة، فوضعت وجهي عليه حين سوى عليه فسمعت صوته كما كنت اعرفه منذ زمان حياته وهو يقول:

ويلك ياضمرة بن معبد‍! اليوم خذلك كل خليل وصار معبرك الى الجحيم فيها مسكنك ومميتك والمقيل.

قال فقال زين العابدين عليه السلام:

ـــ اسأل الله العافية، هذا جزاء من يهزأ من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله([37]).

 

  

 

33-الارتزاق الحلال صدقة

 

كان الامام زين العابدين عليه السلام اذا اصبح خرج غادياً في طلب الـرزق . فقيل له:

ـــ يا بن رسول الله (ص)‍ اين تذهب؟

قال عليه السلام:

ــ خرجت من بيتي لأتصدق لعيالي.

قيل له:

ــ كيف تتصدق على عيالك ؟

قال عليه السلام:

ــ من طلب الحلال (لينفقه على عياله) فهو من الله عز وجل صدقة عليه([38]).

 

  

34-مناجاة الامام السجاد عند الكعبة

 

قال طاووس اليماني:

رأيت علي بن الحسين عليه السلام يطوف من العشاء الى السحر ويتعبد، فلما لم ير احدا وعاد ا لحجاج الى منازلهم رمق السماء بطرفه وقال:

الهي غارت نجوم سماواتك وهجعت عيون انامك وابوابك مفتحات للسائلين جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد في عرصات القيامة.

ثم بكى وقال:

وعزتك وجلالك، ما أردت بمعصيتي مخالفتك وما عصيتك اذ عصيتك وانا بك شاك، ولا بنكالك جاهل ولا لعقوبتك متعرض ولكن سولت لي نفسي واعانني على ذلك سترك المرخى عليّ فالآن من يستنقذني من عذابك وبحبل من اعتصم أن قطعت حبلك عني ... ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب .. اما آن لي ان استحي من ربي، ثم بكى وانشأ يقول:

اتحرقني بالنار ياغاية المنى    فـأين رجـائي ثـم ايــن محبتــــي

اتيــت باعـمال قبــــاح زريــــة        وما في الورى خلق جنى كجنايتـي

ثم بكى وقال: سبحانك تعصى كأنك لا ترى، وتحلم كأنك لم تعص، وتتودد الى خلقك بحسن الصنيع كأن بك حاجة اليهم فخر الى الارض، وقال فدنوت منه فجعلت رأسه في حضني، ثم سالت دموعي على وجهه الشريف، فاستوى جالساً وقال:

من الذي شغلني عن ذكر ربي؟

قلت: يا بن رسول الله (ص) انا طاووس اليماني ماهذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا ان نفعل مثل هذا ، فنحن العاصون فأبوك الحسين وامك الزهراء وجدك رســول الله (ص).

فالتفت الي وقال:

ــ هيهات يا طاووس ! دع عنك حديث أبي وأمي وجدي فقد خلق الله الجنة لمن اطاعه واحسن ولو كان عبدا حبشياً وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيداً قرشياً الم تسمع قوله تعالى ]فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتسائلون[([39]).

والله لا ينفعك غدا الا العمل الصالح([40]).

 

 

35-زاد الآخرة

 

قال الزهري:

رأيت علي بن الحسين عليه السلام في ليلة باردة مظلمة وعلى ظهره دقيق، وهو يمشي فقلت:

ـــ يا بن رسول الله، ماهذا؟

قال عليه السلام:

ــ اريد سفرا اعد له زادا احمله الى موضع حريز (كي لا ارد هناك خال اليدين ).

قلت:

ــ يا بن رسول الله! هذا غلامي يحمل عنك.

فلم يقبل.

فقلت:

ــ أنا أحمله عنك فإنّي أرفعك عن حمله.

فقال عليه السلام:

ــ لكنّي لا أرفع نفسي عمّا ينجيني في سفري و يحسن ورودي على ما أرد عليه أسألك بحقّ اللّه لمّا مضيت لحاجتك و تركتني.

فرآه الزهري بعد بضعة ايام فقال له:

ـــ يا بن رسول الله (ص) لست ارى لذلك السفر الذي ذكرته اثرا!

قال عليه السلام:

ــ بلى يا زهريّ ليس ما ظننت و لكنّه الموت وله كنت أستعدّ إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام وفعل الخير([41]).

 

 

36-حرمة مزاح الاجنبية

 

قال ابو بصير:

كنت اقرأ إمرأة القرآن بالكوفة. وذات يوم مازحتها بشيء! وبعد مدة قصدت المدينة فلما دخلت على الامام الباقر عليه السلام عاتبني وقال:

ـــ من ارتكب الذنب في الخلاء لم يعبأ الله به،! أي شيء قلت للمرأة؟

فغطيت وجهي من شدة الحياء وتبت.

فقال الامام (ع): لا تعد لمثلها([42]).

  

 

37-وصايا عن الامام الباقر عليه السلام

 

قال جابر الجعفي:

دخلنا على أبي جعفر الباقر عليه السلام ونحن جماعة بعد ما قضينا مناسكنا فودعناه وقلنا له:

ـــ اوصنا.

فقال عليه السلام:

ـــ ليعن قويكم ضعيفكم، وليعطف غنيكم على فقيركم! ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه، واكتموا اسرارنا عمن ليسوا اهلا لها، ولا تحملوا الناس على اعناقنا، وانظروا امرنا وما جاءكم عنا، فان وجدتموه في القرآن موافقا فخذوا به وإن لم تجدوه موافقا فردوه، وإن اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده وردوه الينا حتى نشرح لكم من ذلك. فإذا كنتم كما اوصيناكم لم تعدوا الى غيره فمات منكم ميت قبل ان يخرج قائمنا (عج) كان شهيداً، ومن ادرك قائمنا فقتل معه كان له اجر شهيدين ومن قتل بين يديه عدوا لنا كان له اجر عشرين شهيدا([43]).

 

 

38-الموت قبل رؤية القائم (عج)

 

قال عبدالحميد الواسطي قلت للامام الباقر عليه السلام:

ـــ والله لقد تركنا متاجرنا ننتظر ظهور امام زماننا (عج) حتى لم يبق عندنا ما نرتزق به، افنتكدى على الناس؟

قال عليه السلام: يا عبدالحميد! أظننت ان الله لا يفتح ابواب رزقه على من نذر نفسه له؟ والله سيفتح له ابواب رحمته. رحم الله من جاهد فينا وأحيا أمرنا.

فقلت: كيف حالي اذا مت قبل ان ارى قائمكم سيدي؟

قال عليه السلام: من قال منكم اذا أدركت قائم آل محمد فنصرته، كان كمن قاتل بين يديه، ومن استشهد بين يديه كأنه قتل مرتين.

وجاء في رواية أخرى:

كمن قاتل بين يديه، بل كمن قتل معه([44]).

 

 

39-الكتابة الخضراء

 

كان رجل من ملوك اهل الجبل يأتي الامام الصادق (ع) في حجه كل سنة وينزل عنده وحين رجوعه ذات مرة وقبل ان يؤدي مراسم الحج اعطى الامام الصادق عليه السلام عشرة ألاف درهم وقال له:

ـــ اشتر لي دارا بهذه الدراهم.

وخرج الى الحج فلما انصرف اتى الامام عليه السلام فانزله في داره وسلمه صك كتب فيها:

هذه ما اشترى جعفر بن محمد لفلان بن فلان الجبلي ، دارا في الجنة حدها الاول دار رسول الله (ص) والحد الثاني دار علي عليه السلام والثالث دار الحسن عليه السلام والرابع دار الحسين بن علي عليه السلام.

فلما قرأ الرجل ذلك قال: رضيت.

فوزع عليه السلام المال على ولد الحسن والحسين عليهم السلام وبعد مدة اعتل ذلك الرجل علة الموت فلما حضرته الوفاة، جمع اهل بيته وقال لهم:

ـــ انا موقن بما قاله الامام الصادق عليه السلام ولكن ادفنوا الصك معي في القبر!

ثم انتقل الى جوار ربه ففعلوا له ما أوصى به، فلما اصبح القوم غدوا الى قبره، فاذا مكتوب على القبر بالخط الاخضر:

Aوالله ‍ وفى لي جعفر بن محمد بما قال@([45]).

  

 

40-التحفي وسط النار

 

روى المأمون الرقي قائلا:

كنت عند الامام الصادق عليه السلام اذ دخل سهل بن الحسن الخراساني، فسلم عليه ثم جلس، فقال له:

ـــ يا بن رسول الله (ص) الإمامة حقكم فانتم اهل بيت الرأفة والرحمة، فما الذي يمنعك من المطالبة بحقك، وانت تجد من شيعتك مائة الف يضربون بين يديك بالسيف ويقاتلون الاعداء.

قال عليه السلام:

ــ اجلس يا خراساني، حتى اوضح لك الحقيقة.

ثم امر جارية ان توقد التنور. وعندما اشتعلت النار واصبح اللهب شديداً واصبح القسم العلوي للتنور ابيضاً من شدة الحرارة قال عليه السلام:

ـــ يا خراساني قم واجلس في التنور.

فأخذ الخراساني يتعذر ويقول:

ـــ يا بن رسول الله‍ لا تعذبني بالنار واقلني.

فقال الامام عليه السلام: قد اقلتك.

فبينما نحن كذلك اذ اقبل هارون المكي ونعليه في يديه، فدخل حافيا وسلم، فرد عليه السلام سلامه وقال:

ـــ الق النعل واجلس في التنور.

فالقى النعل ثم جلس في التنور‍ واقبل الامام عليه السلام يحدث الخراساني حديث خراسان حتى كأنه شاهد لها لسنوات. ثم قال:

ــ قم يا خراساني وانظر ما في التنور.

قال سهل:

ـــ فلما بلغت التنور رأيت هارون جاثيا على ركبتيه وسطه. وما أن رآني حتى نهض وسلم عليّ.

فقال الامام عليه السلام لسهل:

ـــ كم تجد في خراسان مثل هذا؟

قال: والله ولا واحد.

فقال عليه السلام :

ــ لا والله ولا واحد، أما إنا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا ([46]).

 

 

 

41-تواصل الشيعة ومواساتهم

 

قال الامام موسى بن جعفر عليه السلام:

ـــ يا عاصم ، كيف انتم في التواصل والتبار؟

قال: على افضل ما يرام .

قال عليه السلام:

ــ أيأتي احدكم عند الضيقة منزل اخيه فلا يجده، فيأمر باخراج كيسه فيفض ختمه فيأخذ من ذلك حاجته دون ان يعترض وينكر عليه أحد؟

قال : لا ليس الامر كذلك.

فقال عليه السلام:

ــ فلستم على ما أحب من التواصل ولا زلتم في الضيق والفقر وعدم التعاون فيما بينكم([47]).

 

 

42-التصدق بالخبز دون الملح

 

قال المعلى بن خنيس:

خرج ابو عبدالله عليه السلام في ليلة ماطرة وهو يريد ظلة بني ساعدة([48])، فاتبعته. فجأة التفت الى شيء قد وقع منه. فسمعته همس قائلا:

ـــ اللهم رده علينا.

فاقتربت منه وسلمت عليه. فعرف صوتي وقال:

ـــ معلى؟

قلت: نعم جعلت فداك.

فنظرت الارض لأرى ماذا وقع من الامام عليه السلام فرأيت قطع من الخبز. قال عليه السلام:

ـــ ناولني ماسقط من الخبز!

فدفعتها اليه. واذا بجراب من خبز يصعب حملها بينما كان يحملها الامام عليه السلام فقلت له:

ـــ دعني احملها عنك.

قال عليه السلام :

ــ لا، انا اولى بها منك ولكن امض معي.

فحملها الامام عليه السلام على ظهره حتى بلغنا ظلة بني ساعدة، فاذا بفقراء نيام ليس لهم من منزل ولا مكان، فجعل يدس الرغيف والرغيفين تحت ثوب كل واحد منهم حتى اتى على آخرهم، ثم انصرفنا فقلت:

ـــ جعلت فداك، هل يعرف هؤلاء الحق ـــ هل هم من شيعتك والقائلين بإمامتك ـــ لتحمل اليهم الخبز في غسق الليل؟

قال عليه السلام:

ــ لو كانوا من شيعتي لواسيتهم اكثر([49])، لواسيناهم بالدقة. ([50])

 

 

43-الامام الصادق (ع) ومقاطعة مجلس الخمر

 

روى هارون بن الجهم:

كنت مع الصادق عليه السلام بالحيرة حين قدم على المنصور الدوانيقي، فختن بعض القواد ابناً له، وصنع طعاما دعى اليه اغلب الاشراف والاكابر، وكان الامام الصادق عليه السلام فيمن دُعي.

وبينما هو على المائدة يأكل ومعه عدة من الأعيان والأشراف، إستسقى رجل، فأتي له بقدح من شراب بدلا من الماء، فلما تناول الرجل القدح، قام الصادق عليه السلام من المائدة، فاصروا عليه في الرجوع، فامتنع قائلا:

ــ ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر([51]).

 

 

44-الشيعة في الجنان

 

زار زيد بن اسامة الامام الصادق عليه السلام فقال له:

ـــ يازيد، كم اصبح عمرك؟

قلت: جعلت فداك ، كذا سنة.

قال عليه السلام:

ــ جدد عبادتك واحدث توبة.

قال: فتأثرت جدا واجهشت بالبكاء.

فقال عليه السلام:

ــ ما يبكيك؟

قلت: كأنك نعيت اليّ نفسي بما قلت.

فقال عليه السلام:

ــ يا زيد‍ ابشر فانك من شيعتنا، وانت في الجنة ـــ فالشيعة الحقيقيون كلهم من اصحاب الجنة([52]).

  

 

45-سبيكة الذهب ومعجزة الامام الصادق(ع)

 

كان عند الصادق عليه السلام بعض اصحابه ، فقال(ع):

ـــ عندنا خزائن الارض ومفاتيحها، فاذا اشرت لها بأحدى رجلي فانها ستخرج مافيها من ذهب وكنوز.

ثم خط عليه السلام خطا على الارض بجبهته، فانشقت الارض فمد الامام عليه السلام بيده فاستخرج قطعة من الذهب طولها شبرا. فقال عليه السلام:

ـــ انظروا الى جوف الارض.

فنظر اصحابه فاذا قطع من الذهب على بعضها البعض تلمع كالشمس. فقال احد اصحابه:

ـــ يا بن رسول الله وهبكم الله الدنيا بما فيها وشيعتكم واوليائكم على ما هم عليه من الفقر والعوز؟

فقال عليه السلام:

ــ لقد جمع الله لنا ولشيعتنا الدنيا والآخرة. ان ولايتنا أهل البيت كنز عظيم وخير كثير. نحن واشياعنا في الجنة واعدائنا في النار([53]).

 

 

46-الناس على حقيقتهم الباطنية

 

قال ابو بصير ـــ احد المخلصين من شيعة الامام الصادق(ع) ــ:

حججت مع الامام الصادق عليه السلام، فلما كنا في الطواف، قلت له:

ـــ جعلت فداك أيغفر الله لهذا الخلق الذي يحج البيت باجمعه؟

قال عليه السلام:

ــ يا أبا بصير‍، ان اكثر من ترى من هؤلاء قردة وخنازير.

قلت: ارينهم!

فأمر يده على بصري وتكلم بكلمات فرأيتهم قردة خنازير، فهالني ذلك! ثم أمر يده على بصري فرأيتهم كما كانوا على ظاهرهم قال عليه السلام :

ـــ يا أبا بصير، انتم في الجنة تحبرون ولستم في اطباق النار. والله لا تجمع النار منكم ثلاثة لا والله ولا اثنان لا والله ولا واحد([54]).

 

 

47-الآية التي جعلت النصراني مسلما

 

قال زكريا بن ابراهيم كنت نصرانيا فاسلمت. وحججت فدخلت على الامام الصادق عليه السلام فقلت:

ـــ كنت مسيحيا واصبحت مسلما.

فقال: وأي شيء رأيت في الاسلام فاسلمت؟

قلت: قولـه تعالى ]ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء[ ففهمت من هذه الآية ان الاسلام دين كامل ولا يمكن ان يصدر مثل هذا الكلام ممن لم يذهب الى مدرسة او يعتقد بفكرة، وعليه فلا بد ان يكون وحيا نزل على محمد (ص).

قال عليه السلام

ــ  لقد هداك الله.

ثم قال ثلاثا:

ــ اللهم اهده، سل عما شئت يا بني.

فقلت: إن أبي وأمي واسرتي على النصرانية وأمي مكفوفة البصر فهل لي أن آكل في آنيتهم بعد أن اسلمت؟

قال عليه السلام:

ــ أيأكلون لحم الخنزير؟

قلت: لا ولا يمسونه.

فقال عليه السلام:

ــ لا بأس.

ثم اوصاه عليه السلام قائلا:

ـــ فانظر امك فبرها، فاذا ماتت فلا تكلها الى غيرك ـــ تول بنفسك غسلها وكفنها ودفنها ـــ ولا تخبرن احد انك اتيتني حتى تأتيني بمنى انشاء الله.

قال: فأتيته بمنى والناس حوله كأنه معلم صبيان وكل يسأله! فلما قدمت الكوفة الطفت لأمي وكنت اطعمها واغسل رأسها وثيابها. فقالت لي يوما:

ـــ يا بني ماكنت تصنع بي هذا وانت على ديني، فما الذي ارى منك؟

قلت: لقد اسلمت وقد امرني بهذا رجل من ولد نبينا.

قالت: هذا الرجل نبي؟

قلت: لا ، ولكنه ابن نبي.

قالت: لابد ان يكون نبيا، فهذه وصايا (بشأن احترام الام وخدمتها) الانبياء.

فقلت: يا أمي انه ليس يكون بعد نبينا نبي ولكنه ابنه.

فقالت: يا بني دينك خير الاديان، اعرضه علي.

فعلمتها الشهادتين فدخلت الاسلام وعلمتها الصلاة فصلت الظهر والعصر والمغرب والعشاء. ثم مرضت بعد مدة فالتفتت الي وقالت:

ـــ بني اعد على ما علمتني.

فاعدته عليها، فنطقت بالشهادتين وماتت. فلما اصبح الصباح غسلها المسلمون، وكنت انا الذي صليت عليها وانزلتها قبرها([55]).

 

 

48-التجارة بالمال الحلال

 

دخل رجل شاب على الصادق عليه السلام وقال:

ـــ ليس لي رأس مال.

قال الامام عليه السلام: كن صادقا امينا، يرزقك الله.

فخرج فوجد في الطريق هميانا فيه سبع مائة دينار. فقال في نفسه: لا بد ان امتثل وصية الامام عليه السلام وعليه يجب ان اعلن على الملأ من فقد هميانا فليأتي إلي.

فصاح قائلا: من ضاع منه شيء فليذكره ليأخذه.

فجاءه رجل واعطاه اوصاف الهميان فأخذه بعد ان اهدى الشاب سبعين ديناراً. فأخذها واتى الامام عليه السلام واخبره القضية، فقال عليه السلام:

ـــ هذه السبعون دينار الحلال افضل من تلك السبعمائة الحرام، وهذا رزقك من الله.

فاتجر الشاب بها حتى اصبح ثريا([56]).

 

 

49-المرأة الموالية

 

قال بشار المكاري:

دخلت على الامام الصادق عليه السلام بالكوفة وكان يأكل التمر فقال:

ـــ اجلس يابشار كل معي التمر.

قلت: جعلت فداك، رأيت وانا في الطريق ما أسخطني فلا طاقة لي على الاكل!

قال عليه السلام:

ــ مارأيت في الطريق؟

قال: رأيت رجلا يضرب امرأة ويقتادها الى السجن. وليس هناك من ينجدها.

قال عليه السلام:

ـــ وما قصتها؟

قال: قال الناس ان تلك المرأة عثرت في الطريق فقالت لعن الله ظالميك يا فاطمة.

فبكى الامام حتى بلت لحيته فجعل يكفكف دموعه بمنديله، ثم قال يابشار هلم بنا الى مسجد السهلة ندعو لها. وبعث عليه السلام بغلامه الى قصر السلطان ليأتيه بخبرها.

قال بشار: فدخلنا مسجد السهلة وصلينا ركعتين، ودعا عليه السلام ساجداً لنجاتها ثم رفع رأسه وقال:

ـــ هلم بنا، فقد اطلقت المرأة.

فخرجنا من المسجد فرجع غلامه ورآنا في الطريق فقال:

ـــ لقد اطلقت.

فسأله الامام عليه السلام:

ــ وكيف اطلقت؟

قال: لا أدري، ولكن حين ذهبت الى قصرالسلطان رأيت امرأة خرجت من السجن وأتي بها الى السلطان فسألها:

ـــ ما فعلت ليقبض عليك؟

فقصت عليه الخبر. فاعطاها مائتي درهم، الا انها رفضت ذلك فقال لها خذي هذه الدراهم فهي لك، فلم تأخذها. فقال عليه السلام:

ــ لم تأخذها؟

قال: لا والله ما أخذتها.

فقال الامام الصادق عليه السلام:

ـــ يا بشار خذ هذه الدنانير السبع واعطها فهي بحاجة شديدة لها، واقرأها عني السلام.

فاعطيتها وابلغتها سلام الامام. فقالت فرحة:

ـــ الامام يقرأني السلام؟

قلت: نعم.

فسقطت مغشيا عليها من الفرح والسرور، وحين أفاقت قالت ثانية:

ـــ الامام يقرأني السلام؟

قلت: بلى.

ثم اعادت ذلك ثلاثا وطلبت مني ابلاغ سلامها الى الامام وانها أمته ومحتاجة لدعائه. فرجعت الى الامام عليه السلام واخبرته فبكى وأخذ يدعو لها([57])

 

 

 

50-شراء الخبز بقيمة اليوم

 

قال الامام الصادق (ع) لمعتب مسؤول شراء حوائج البيت:

ـــ لقد ازدادت اسعار المواد الغذائية بالمدينة، فكم عندنا من طعام؟

قال معتب: ما يكفينا اشهر كثيرة، لدينا حنطة كثيرة.

قال عليه السلام : اذهب به الى السوق وبعه.

قلت: يا بن رسول الله ! ليس بالمدينة حنطة، فان بعناها فليس لنا ان نشتري بعد ذلك.

قال عليه السلام: كما قلت لك بعه.

قال معتب فبعته، واخبرت الامام عليه السلام بذلك فقال:

ـــ منذ الآن فصاعدا، اشتر مع الناس يوما بيوم، واجعل قوت عيالي نصفا شعير ونصفا حنطة ولا ينبغي ان يكون هناك تفاوت مع ما يأكله الناس اليوم، إني ولله الحمد ـــ واجد أن اطعمهم الحنطة على وجهها ولكني احب ان يراني الله وقد احسنت تقدير المعيشة([58]).

 

 

51-الوعظ بالمال

 

ان رجلا كان بالمدينة يؤذي الامام الكاظم عليه السلام ويشتمه فما كان من بعض حاشية الامام عليه السلام الا ان قالوا:

ـــ دعنا نقتل هذا الفاجر!

فلم يأذن لهم ونهاهم. ثم سأل عن مكان مزرعته فركب اليه، فدخل المزرعة بحماره . فصاح به :

ـــ لا تطأ زرعنا.

فاستمر الامام عليه السلام ماشياً حتى وصل اليه فنزل عن حماره وجلس عنده وجعل يلاطفه ويضاحكه ثم قال:

ـــ كم غرمت على زرعك هذا ؟

قال: مائة دينار.

قال عليه السلام:

ــ فكم ترجو ان تصيب؟

قال: مائتا دينار.

قال عليه السلام:

ــ هذه ثلاثمائة دينار وهذا زرعك على حاله، والله يرزقك فيه ما ترجو.

فأخذ الدنانير وقبل رأس الامام علــيه السلام فابتسم الامام عليه السلام وانصرف. وفي اليوم التالي قدم الامام عليه السلام الى المسجد، فكان ذلك الرجل جالسا، فلما رأى الامام عليه السلام قال ]الله اعلم حيث يجعل رسالته[([59]) .

فذهل اصحاب الامام الكاظم ماذا كان يقول بالامس واليوم ماذا يقول وكيف يصف الامام عليه السلام فقال لهم عليه السلام:

ـــ لقد استأذنتموني في قتله، اما انا فقد اصلحت أمره بالمال([60]).

لاشك ان الاحسان وبذل الاموال يشكل احدى الطرق المتبعة في اصلاح اوضاع الناس .

 

 

 

52-رسالة الامام الكاظم الى والي يحيى بن خالد  

روى شخص من اهل الري انه:

ولّى يحيى بن خالد علينا واليا، وكنت مدينا بعض الضرائب، فطالبني بها وكنت اعتذر عن دفعها خشية الفقر والفاقة وقيل لي انه من الشيعة، غير اني خفت ان اذهب اليه فلا يكون كذلك، فاضطر لدفع الضرائب بعد ان يمسكوني . فاجتمع رأيي على اني هربت الى الله فحججت ولقيت مولاي موسى بن جعفر عليه السلام فشكوت اليه احوالي. فلما سمع مقالتي كتب عليه السلام الى الوالي قائلا:

بسم الله الرحمن الرحيم. اعلم ان لله تحت عرشه ظلا لا يسكنه الا من أسدى الى اخيه معروفا او نفس عنه كربة او أدخل على قلبه سرورا، وهذا اخوك والسلام !!

فعدت من الحج الى بلدي ومضيت الى الرجل ليلا واستأذنت عليه وقلت:

انا رسول موسى بن جعفر عليه السلام.

فخرج الي حافياً وفتح لي الباب وضمني اليه وجعل يقبل بين عيني، ويكرر ذلك كلما سألني عن رؤيته عليه السلام وكلما اخبرته عن سلامته وصلاح احواله استبشر وِشكر الله، ثم ادخلني داره وصدرني في مجلسه وجلس بين يدي . فسلمته الكتاب الذي كتبه الامام عليه السلام فقبله قائما، وقرأه . ثم استدعى بماله وثيابه فقاسمني ديناراً ديناراً ودرهما درهما وثوبا ثوبا واعطاني قيمة مالم يمكن قسمته. وفي كل شيء من ذلك يقول :

ـــ يا أخي هل سررتك؟

فاقول: أي والله وزدت عليّ السرور.

ثم طلب دفتر الضرائب واسقط كل ما كان بإسمي واعطاني كتابا يفيد دفعي وبراءتي مما يتوجه عليّ من الضرائب وودعته وانصرفت عنه فقلت لنفسي: لا اقدر على مكافأة هذا الرجل الا بأن أحج في العام القادم وادعو له والقى الامام الكاظم عليه السلام واعرفه فعله. ففعلت ولقيت الامام عليه السلام وجعلت احدثه ووجهه يتهلل فرحاً.

فقلت : يا مولاي ! هل سرك هذا الخبر؟

قال عليه السلام : أي والله لقد سرني وسر امير المؤمنين عليه السلام وسر جدي رسول الله (ص) ولقد سر الله تعالى([61]).

 

 

53-فوازير فقهية

 

ذات عام حج هارون الرشيد وابتدأ بالطواف حيث منعت العامة من ذلك لينفرد وحده ، فبينما هو في ذلك اذ ابتدر اعرابي وجعل يطوف معـه (فشق ذلك على الخليفة المستكبر واشار لمن حوله بدفع ذلك الرجل) فقال الحاجب له:

ـــ تنح يا هذا عن وجه الخليفة حتى يطوف.

قال: ان الله ساوى بين الناس في هذا الموضع فقال ]سواء العاكف فيه والباد[([62]).

فأمر هارون الرشيد الحاجب بالكف عنه. فقصد هارون الحجر الاسود ليقبله فسبقه الاعرابي . ثم صار الرشيد الى مقام ابراهيم ليصلي فيه، فصلى الاعرابي أمامه ، فلما فرغ هارون من صلاته أمر باحضار الاعرابي، فقال:

ـــ مالي اليه حاجة، ان كانت له حاجة فهو بالمجيء الي أولى!

فاضطر هارون فاتاه وسلم عليه، فرد الاعرابي سلامه وقال هارون:

ـــ اتأذن لي ان اجلس هنا.

قال: انما هو بيت الله وكلنا فيه سواء، فإن احببت ان تجلس فاجلس، وإن احببت ان تنصرف فانصرف.

فجلس هارون وقال : مثلك من يزاحم الملوك؟

قال: نعم عليك ان تتواضع امام العلم وتسمع.

( فامتعظ هارون من كلامه) وقال: فاني سائلك فإن عجزت آذيتك.

قال: سؤالك سؤال متعلم ام متعنت؟

قال: متعلم.

قال: حسنا! فاجلس مكان السائل من المسؤول. اجلس امامي.

فنهض هارون الرشيد وجلس امامه. فسأله هارون:

ـــ قل لي ما فرض الله عليك؟

قال: عن أي فرض سألت؟ عن واحد أم خمسة ام سبعة عشر ام اربع وثلاثون ام اربع وتسعون ام مائة وثلاث وخمسون على سبعة عشر ومن اثنى عشر واحد ومن اربعين واحد ومن مائتين خمس ومن الدهر كله واحد وواحد بواحد.

فقال الرشيد: اسألك عن واجب وانت تعد عليّ الحساب!

قال: ان الدين كله حساب ولو لم يكن الدين حسابا لما حاسب الله الخلائق يوم القيامة ثم تلى ]وان كان مثقال حبة من خردل آتينا بها وكفى بنا حاسبين[([63]).

وهنا ناداه الاعرابي باسمه، فغضب هارون غضبا شديدا (لأنه يعتقد بوجوب مناداته من قبل الجميع بأمير المؤمنين)، فقال وقد بدت عليه سيماء الغضب والإمتعاظ:

ـــ بين لي ماقلت! والا قتلتك بين الصفا والمروة.

فالتمسه الحاجب ان يهبه لله ولذلك المكان المقدس، فضحك الاعرابي فسأله هارون:

ـــ مم ضحكت؟

قال: تعجبا منكما إذ لا ادري من الاجهل منكما الذي يستوهب اجلا قد حضر او الذي استعجل اجلا لم يحضر.

قال هارون: بالتالي فسر لنا ما ذكرت!

قال الاعرابي: اما قولي الفرض واحد فدين الاسلام (الذي وجب على الناس قبل كل شيء) كله واحد وعليه خمس صلوات وهي سبع عشرة ركعة واربع ثلاثون سجدة و اربع وتسعون تكبيرة ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة، واما قولي من اثنى عشر واحد فصيام شهر رمضان من اثنى عشر شهرا، واما قولي من الاربعين واحد فمن ملك اربعين ديناراً أوجب الله عليه ديناراً ، واما قولي من ما ئتين خمسة فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم، وأما قولي فمن الدهر كله واحد فحجة الاسلام ، واما قولي واحد من واحد فمن اهرق دماً من غير حق وجب اهراق دمه فقد قال سبحانه ]النفس بالنفس[.

فذهل هارون لما اورده ذلك الاعرابي وتبدل غضبه سرورا واكبر ذلك الرجل وسلمه صرة من الذهب.

فقال الاعرابي: ياهارون لقد سألتني فأجبتك والآن انا أسألك فان اجبت، فالصرّة لك تتصدق بها في هذا المكان والا ناولتني صرة اخرى لاتصدق بها على فقراء قبيلتي.

فقال هارون: سل.

فسأله: اخبرني عن الخنفساء تزق ام ترضع ولدها؟

فغضب هارون وقال : ويحك يا أعرابي مثلي من يسأل هذه المسألة؟

قال: سمعت ممن سمع رسول الله (ص) انه قال: من ولى اقواماً وهب الله له من العقل كعقولهم، وانت امام هذه الامة يجب ان لا تسأل عن شيء من أمر ربك ومن الفرائض الا اجبت عنها ، فهل عندك جواب؟

قال هارون: لا، فبين لي وخذ صرتين.

قال: ان الله تعالى لما خلق الارض خلق دبابات الارض التي ليس لها معدة ولا دم من التراب وجعل طعامها من ذلك التراب فاذا فارق الجنين امه لم تزقه ولم ترضعه بل كان عيشها من التراب.

فقال هارون: والله ما ابتلى احد لحد الآن بمثل هذه المسألة.

فأخذ الاعرابي الصرتين، فسأل بعض الناس عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر عليه السلام. ثم اخبروا هارون بذلك، قال:

ـــ والله كان ينبغي ان تكون هذه الورقة من تلك الشجرة([64]).

Aكانت تلك السنة الاولى التي يحج فيها الرشيد وقد غير عليه السلام ثيابه حتى لا يعرفه الناس، ولذلك لم يعرفه هارون@.

 

 

54-المأمون والسارق

 

قال بن سنان:

كنت عند مولاي الامام الرضا عليه السلام بخراسان، وكان المأمون قد اعتاد ان يجلسه على يمينه، ذات يوم رفع للمأمون ان رجلا سرق، فأمر باحضاره، فلما نظر اليه المأمون وجده متقشفا بين عينيه اثر السجود، فقال له:

ـــ سوأة لهذه الآثار الجميلة و هذا الفعل القبيح اتنسب الى السرقة مع ما أرى من جميل آثارك وظاهرك؟

قال: فعلت ذلك اضطرارا لا اختياراً حيث منعتني حقي من الخمس والفيئ.

قال المأمون: وأي حق لك في الخمس والفيء؟

قال: إن الله قسم الخمس ستة اقسام وقال ]واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل[([65]) وقسم الفيئ ستة اقسام حيث قال: ]ما افاء الله على رسوله من اهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم[([66]) وأنا إبن سبيل منقطع بي ومسكين ومنعتني حقي في ذلك.

قال المأمون: افتراني اعطل حدا من حدود الله وحكما من احكامه في سارق لهذه الاساطير التي ذكرتها؟

قال: ابدأ بنفسك اولا طهرها ثم طهر الآخرين! واقم حد الله على نفسك ثم على غيرك!

فلم يتمكن المأمون من الرد عليه، فالتفت الى الإمام الرضا عليه السلام وقال:

ـــ ما تقول؟

قال عليه السلام:

ــ انه يقول انك سرقت فسرقت!

فالتفت المأمون وقال للرجل: والله لا قطعن يدك.

قال: اتقطع يدي وانت عبدي؟

قال: ويلك، ومن اين صرت عبدا لك؟

قال: ان امك اشتريت من مال المسلمين، فانت عبد لمن في المشرق والمغرب حتى يعتقوك وانا لم اعتقك. ثم بلعت الخمس ذلك فلا اعطيت آل الرسول حقاً ولا اعطيتني ونظرائي حقنا، اضف الى ذلك فالخبيث لا يطهر خبيثا مثله إنما يطهره طاهر ومن في عنقه حد لا يقيم الحدود على غيره حتى يبدأ بنفسه، اما سمعت قوله سبحانه ]اتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون[([67])؟

فالتفت المأمون الى الرضا عليه السلام وقال:

ـــ ما ترى في أمره؟

قال عليه السلام:

ــ إن الله جل جلاله قال لمحمد (ص) فلله الحجة البالغة، وهي التي تبلغ الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه، فالدنيا والآخرة قائمتان بالحجة وقد احتج عليك هذا الرجل؟

فأمر المأمون باطلاقه، فاحتجب عن الناس واشتغل بالرضا حتى قتله بالسـم([68]).

 

 

 

55-امتحان المأمون للامام الجواد(ع)

 

خرج المأمون يوما للصيد، فمر بعدة صبيان كان من بينهم الجواد عليه السلام فهربوا سواه. فاقترب منه المأمون وسأله:

ـــ ما لك لم تهرب في جملة الصبيان؟

اجاب عليه السلام:

ــ مالي ذنب فأفر منه ولا الطريق ضيق فاوسعه عليك، فلك ان تسير من حيث شئت.

قال المأمون: من أنت؟

قال عليه السلام:

ــ انا محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

قال: ما تعرف من العلوم؟

قال عليه السلام:

ــ سلني عن اخبار السموات.

فتركه ومضى وعلى يده باز اشهب يطلب به الصيد، فاطلقه المأمون ليصيد به دراجا فطار حتى غاب عن ناظره مدة ثم عاد اليه وقد صاد حية([69])، فوضعها في موضع وقال لأصحابه:

ـــ قد دنا حتف ذلك الصبي ـــ على يديّ ـــ في هذا اليوم.

ثم عاد من نفس ذلك الطريق فرأى ابن الرضا عليه السلام مع الصبيان فسأله:

ـــ ما عندك من اخبار السماوات؟

قال عليه السلام:

ــ حدثني أبي عن آباءه عن النبي عن جبرئيل عن رب العالمين انه قال بين السماء والهواء بحر عجاج يتلاطم به الامواج فيه حيات خضر البطون، رقط الظهور، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب يمتحنوا بها العلماء.

قال المأمون: صدقت وصدق ابوك وصدق جدك وصدق ربك([70]).

 

 

  

56-نار الحسد

 

مات الخليفة العباسي المأمون ليلة الثاني عشر من شهر رجب عام 218 هـــ .ق ودفن في مدينة طرسوس([71]) فخلفه اخوه المعتصم، الذي بذل مساعيه لتثبيت دعائم خلافته، فكان اول ما اتخذه لدفع الخطر المتوقع الذي كان يهدد عرشه من قبل الامام الجواد عليه السلام ان أتى به من المدينة الى بغداد واخضعه للاقامة الجبرية. ولم تمض مدة على اقامته في بغداد حتى دس له المعتصم السم وقتله. وقد كان ذلك اثر هذه الحادثة : ـــ

قال الزرقان احد مقربي ابن أبي داود([72]):

انه رجع ابن ابي داود ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم جدا فسألته عما ألم به فقال:

ـــ وددت اليوم اني مت قبل عشرين سنة.

قلت: ولم ذلك؟

قال: لما كان من أبي جعفر الجواد في مجلس المعتصم؟

قلت: فماذا حدث؟

قال: أتي بسارق الى مجلس الخليفة وقد اقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة ان يطهره باقامة الحد عليه. فجمع لذلك الفقهاء ومعهم الجواد، فسألنا عن موضع القطع ؟

فقلت: من الكرسوع .

قال: وما دليلك؟

قلت: لأن اليد تعني الاصابع والكف الى الكرسوع لقوله سبحانه في آية التيمم ]فامسحوا بوجوهكم وايديكم[([73]).

واتفق معي في ذلك قوم، بينما قال آخرون يجب القطع من المرفق لقوله سبحانه في آية الوضوء ]وايديكم الى المرافق[ فهي واضحة في ان المرفق هو حد اليد.

ثم التفت المعتصم الى أبي جعفر فقال:

ـــ ما تقول في هذه المسألة؟

قال عليه السلام:

ــ اعفني، فقد تكلم القوم في ذلك.

فاعاد المعتصم قوله، فاستعفى الامام غير انه لم يعفه وقال:

ـــ اقسمت عليك بالله لما قلت بما عندك.

قال عليه السلام:

ـــ اذا اقسمت فأقول انهم اخطـأوا، فالقطع يكون من مفصل اصول الاصابع وتترك الكف.

قال المعتصم: وما الحجة في ذلك؟

قال عليه السلام:

ــ قول النبي(ص) السجود على سبعة اعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع او المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقد قال سبجانه: ]وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا[ وما كان لله لم يقطع.

فأعجب المعتصم بذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع.

قال ابن ابي داود: فثارت حفيظتي وقامت قيامتي وتمنيت اني كنت ميتا ولم ار مثل ذلك اليوم. فقصدت المعتصم بعد ثلاثة ايام، فقلت له:

ــ نصيحة الامير علي واجبة، سأكلمك في أمر اعلم اني ادخل به النار.

قال: وما هو؟

قلت: ان الخليفة يجمع الفقهاء والعلماء في مجلسه لحكم من احكام الدين، وقد حضر المجلس القواد والوزراء ويسمعون ما يدور من احاديث، ويسأل عن الحكم فيخبره الفقهاء بما عندهم، ثم يترك اقوالهم كلهم لقول رجل يقول شطر من هذه الامة بامامته ويدعون انه أولى منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء.

قال فتغير لونه وانتبه لما ارتكب من خطأ فقال:

ـــ جزاك الله عن نصيحتك خيرا.

فأمر في اليوم الرابع احد كتابه بأن يدعو الامام الجواد الى منزله، فدعاه، فأبى عليه السلام ان يجيبه، فأصر عليه قائلا:

ـــ انما ادعوك الى الطعام وأحب ان تدخل منزلي فاتبرك بك، وهناك بعض وزراء الخليفة ممن يتمنون رؤيتك في منزلي.

فاضطر الامام عليه السلام لذلك، فدسوا له السم في الطعام، فلما طعم احس بالسم، فعزم على الانصراف. فسأله رب المنزل ان يبقى فقال عليه السلام:

ـــ خروجي من دارك خير لك.

فلم يزل عليه السلام نهاره وليله يكابد السم حتى سرى في جميع بدنه الشريف فقبض([74]).

 

  

 

57-تل المخالي

جيش المتوكل وجيش الامام الهادي(ع)  

كان الخليفة العباسي المتوكل يسعى لارعاب معارضيه بما يمتلكه من جيش وعسكر، ولذلك أمر العسكر ـــ وهم تسعون الف فارس ـــ أن يملأ كل واحد منهم مخلاة فرسه من التراب الأحمر ويجعلوا بعضه على بعض في وسط صحراء واسعة ، فامتثلوا الامر فصار مثل جبل عظيم اطلق عليه اسم Aتل المخالي@ ثم صعد فوقه المتوكل واستدعى الامام الهادي فاصطحبه معه وقال:

ـــ احضرتك لتنظر الى خيولي!

وامر المتوكل ان يلبسوا الثياب العسكرية ويحملوا اسلحتهم فعرضوا بأحسن زينة واتم عدة واعظم هيبة، طبعا كان قصده ارعاب الآخرين ممن كان يعتقد قيامهم عليه وفي مقدمتهم الامام الهادي عليه السلام فقد كان يخشى ان يأمر اتباعه بالخروج على الخليفة فقال عليه السلام للمتوكل:

ـــ اترغب ان اعرض عليك عسكري؟

قال: نعم.

فدعا الله فإذا بين السماء والارض من المشرق والمغرب ملائكة مدججون بالسلاح فغشي على الخليفة، فلما افاق قال عليه السلام:

ــ نحن لا ننافسكم في الدنيا، نحن مشغولون بأمر الآخرة، فلا عليك([75]).

 

 

 

 

58-حب اهل بيت النبوة

 

وشى شخص بيوسف بن يعقوب ـــ وهو رجل نصراني من اهالي فلسطين ـــ عند المتوكل ، فأمر باحضاره ومعاقبته.

فنذر يوسف مائة دينار الى الامام الهادي عليه السلام إن اعاده الله سالما الى بيته وانقذه من شر المتوكل وكان المتوكل آنذاك قد احضر الامام عليه السلام من الحجاز الى سامراء وحبسه في بيته فكانت أحواله المعيشية صعبة للغاية.

قال يوسف:

ما أن وصلت سامراء حتى قلت لنفسي: من الافضل ان اسلم الامام عليه السلام المائة دينار قبل ان اتوجه الى المتوكل ولكن ما أصنع، فأنا رجل نصراني ولا اعرف منزل الامام عليه السلام أخشى أن اسأل احدا فيخبر المتوكل فيزداد غضبه عليّ، من جانب آخر فان المتوكل منع الناس من الذهاب الى دار الامام عليه السلام، فوقع في قلبي ان اركب حماري ولا أمنعه من حيث يذهب لعلي اقف بلطف الله دون سؤال الآخرين على معرفة دار الامام عليه السلام؛ فكان الحمار يخترق الشوارع والاسواق الى أن صرت على باب دار فوقف الحمار فجهدت ان يزول فلم يزل، فسألت غلاما:

ـــ لمن هذه الدار؟

قال: دار ابن الرضا عليه السلام الامام الهادي.

فقلت الله اكبر هذه دلالة على عظمة الامام عليه السلام واذا بغلام قد خرج من الدار وقال:

ـــ انت يوسف بن يعقوب؟

فقلت: نعم.

قال: انزل.

فنزلت فقادني الى داخل الدار فقلت في نفسي: هذه دلالة اخرى، من أين عرف هذا الغلام اسمي، ثم قال:

ـــ ناولني المائة دينار التي نذرتها.

فقلت وهذه الثالثة، فناولته المال، فأخذه وعاد الي فقادني الى الامام وهو في مجلسه وحده، فقال:

ـــ اما آن لك ان تسلم يا يوسف!

قلت: لقد بان لي من الدليل والبرهان مافيه كفاية لمن اكتفـى.

فقال عليه السلام:

ــ هيهات إنك لا تسلم، ولكن سيسلم ولدك اسحق وهو من شيعتنا.

ثم قال عليه السلام:

ــ يا يوسف! ان اقواما يزعمون ان ولايتنا لا تنفع امثالكم، كذبوا والله فمن احبنا انتفع بنا، اسلم ام لم يسلم. امض في ما وافيت له فانك سترى ما تحب.

قال يوسف: فمضيت دون قلق الى المتوكل فبلغت ما أريد ثم رجعت.

وبعد مدة مات يوسف فاسلم ولده اسحق وهو حسن التشيع، وكان يقول دائما:

ــ انا بشارة مولاي الامام الهادي عليه السلام([76]).

 

 

59-الفيلسوف ونقض القرآن

 

ان اسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه، اخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرد به في منزله وان بعض تلامذته دخل يوما على الامام الحسن العسكري عليه السلام فقال عليه السلام:

ـــ أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟

فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف لنا أن نصرفه عن اعتقاداته.

قال عليه السلام: اتؤدي اليه ما ألقيه اليك؟

قال: نعم .

قال عليه السلام: اذهب اليه وتلطف في مؤانسته ومعونته على ماهو بصدده، فاذا وقعت الأنسة في ذلك، فقل قد حضرتني مسألة وليس لها غيرك، فانه سيستدعي ذلك منك. فقل له:

ان اتاك المتكلم بهذا القرآن هل يجوز ان يكون مراده بما تكلم به منه غير المعاني التي قد ظننتها انك ذهبت اليها؟

سيقول لك: انه من الجائز ان يكون كذلك.

فقل له: فما يدريك، لعله قد اراد غير الذي ذهبت انت اليه فتكون واضعاً لغير معانيه.

فصار الرجل الى الكندي وتلطف، الى أن القٍى عليه المسألة. فقال لـه: اعد علي فأعاد عليه، فتفكر في نفسه ورأى ذلك محتملا في اللغة وسائغا في النظر .

لاشك ان الاستاذ يعلم انه ليس لتلميذه القدرة على طرح مثل هذا السؤال وهي خارجة عن حدود تفكيره ولذلك التفت الى تلميذه فقال له:

ـــ اقسم عليك أن تقول الحقيقة، أنى لك بهذا السؤال؟

فقال التلميذ في البداية إنه منه وذلك انه خالج خلده فطرحه عليه. غير ان الاستاذ لم يقتنع بهذا الكلام، وأصر عليه ان يخبره بالحقيقة. فما كان من تلميذه الا أن اعترف لـه قائلا ان الامام العسكري عليه السلام هو الذي علمه ذلك.

قال الفيلسوف: الآن جئت بالحق، فلا تصدر مثل هذه الأسئلة الا من اهل بيت النبوة.

فالتفت الفيلسوف الى خطأه وأمر بأن توقد النار ويحرق فيها كل ما كتبه بشأن نقض القرآن([77]).

 

 

60-ولادة صاحب الزمان Aعج@

 

ولد الحجة بن الحسن إمام العصر والزمان Aعج@ في الخامس عشر من شعبان عام 255 هـــ في مدينة سامراء.

قالت حكيمة بنت الامام محمد التقي عليه السلام عمة الامام الحسن العسكري عليه السلام بعث الي فقال:

ـــ عمة! اجعلي افطارك الليلة عندنا فانها ليلة النصف من شعبان، فان الله سيظهر حجته في هذه الليلة.

قالت فقلت:

ـــ ومن أمه؟

قال عليه السلام:

ــ نرجس .

قلت: جعلت فداك! ما بها أثر الحمل.

قال عليه السلام:

ــ ما أقول لك.

قالت: فجئت فلما سلمت وجلست، جاءت السيدة نرجس فنزعت خفي وقالت:

ـــ كيف أمسيت يا سيدتي.

قلت: بل انت سيدتي وسيدة أهلي.

قالت: ما هذا ياعمة اين انا من ذلك.

قلت: يا بنيتي! ان الله سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيدا في الدنيا والآخرة.

فجلست واستحيت، فصليت العشاء الآخر، وافطرت واخذت مضجعي. فلما كان جوف الليل قمت الى الصلاة، ورأيت نرجس نائمة وليس عليها آثار وضع الحمل، فجلست معقبة ثم اضطجعت. ثم نهضت فزعة، فرأيتها تصلي وليس عليها أي اثر، فدخلتني الشكوك مما قال الامام عليه السلام واذا به يناديني Aلا تعجلي ياعمة فإن الأمر قد قرب@ فقرأت سورة السجدة ويس وفجأة رأيت نرجس قد استيقضت من النوم وهي مضطربة فوثبت اليها وقلت اسم الله عليك، ثم قلت لها:

ـــ اتحسين شيئا؟

قالت: نعم ياعمة.

قلت: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك.

ثم اخذتني فترة واخذتها فترة، فانتبهت، فاذا بها تضع حملها ويستقبل الارض ساجدا على اعضائه السبع، فضممته الي فاذا به نظيف منظف. فصاح الامام عليه السلام:

ـــ هلمي به الي يا عمة.

فحملته اليه، فضمه الى صدره ووضع يديه تحت إليتيه وظهره وادلى لسانه في فيه وأمر يده على عينيه وسمعه وقال:

ـــ تكلم يا بني.

فقال:

ـــ اشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله.

ثم صلى على امير المؤمنين وسائر الائمة الى أن وقف على ابيه. قال العسكري: عمه! اذهبي به الى امه ليسلم عليها وائتيني به.

فسلم عليها ورددته، وحملته ثانية الى والده([78]).

 

   

 

61-لقاء امام العصر والزمان Aعج@

 

قال العلامة المجلسي:

اخبرني والدي انه كان في زماننا رجل صالح ومؤمن يقال له أمير اسحق استر آبادي ( ره) وكان قد حج اربعين حجة ماشيا، وكان قد اشتهر بين الناس إنه تطوي لـه الارض ـــ أي كان يقطع عدة فراسخ خلال لحظات ـــ فورد في بعض السنيين بلدة اصفهان فأتيته وسألته عما اشتهر به. فقال:

كان سبب ذلك أني كنت في بعض السنيين مع الحجاج متوجهين الى بيت الله الحرام فلما وصلنا الى موضع كان بيننا وبين مكة سبعة منازل Aاكثر من خمسين فرسخا@ فتأخرت عن القافلة لبعض الاسباب حتى غابت عني وضللت عن الطريق وتحيرت، فغلبني العطش حتى أيست من الحياة، فناديت:

ـــ يا أبا صالح! (إمام الزمان (ع) ) ارشدني الى الطريق.

فتراءى لي شبح فلما تأملته حضر عندي في زمان يسير، فرأيته شابا حسن الوجه، نقي الثياب على هيئة الشرفاء ، راكبا على جمل ومعه ظرف ماء، فسلمت عليه، فرد سلامي وقال:

ـــ انت عطشان؟

قلت: نعم.

فاعطاني ظرف الماء فشربت منه، ثم قال:

ـــ اتريد ان تلحق القافلة؟

قلت: نعم.

فاردفني خلفه وتوجه نحو مكة وكان من عادتي قراءة الحرز اليماني في كل يوم فاخذت في قراءته. فكان يشكل علي في بعض الجمل ويقول إقرأ هكذا ثم سألني بعد مدة:

ـــ اتعرف هذا الموضع؟

فنظرت فاذا انا في مكة.

فقال: انزل!

فلما نزلت، انصرف وغاب عني ففهمت إنه القائم (عج) فندمت وتأسفت كثيرا على مفارقته وعدم معرفته.

وبعد ايام اتت القافلة مكة، بعد أن يئس افرادها من حياتي، ومنذ ذلك الوقت اشتهرت بطي الارض.

ثم قال العلامة المجلسي، ان الوالد قال: قرأت عنده الحرز اليماني وصححته فأجازني نقله والحمد لله([79]).

 

 

62ـ ابوراجح الحلي وامام العصر والزمان(عج)

 

يعتبر ابو راجح الحلي احد المخلصين من الشيعة في الحلة والذي كان له حماما عموميا في تلك المدينة، وهذا ما جعل الناس تعرفه.

وكان الحاكم بالحلة آنذاك شخصاً ناصبيا يدعى مرجان الصغير. فرفع اليه ان أبا راجح هذا يسب بعض اصحاب رسول الله ( ص) فأمر باحضاره، فضربوه ضربا شديدا مهلكا على جميع بدنه فسقطت ثناياه واخرج لسانه وجعل فيه مسلة من حديد وخرق أنفه وسحبوه بالحبال في أزقة الحلة واسواقها والضرب يأخذ جميع جوانبه حتى سقط على الارض وعاين الهلاك، فأخبر الحاكم بذلك فأمر بقتله، فقال الحاضرون:

ـــ انه شيخ كبير وقد حصل له ما يكفيه وهو ميت لما به فاتركه وهو يموت حتف أنفه ولا تتقلد بدمه.

فاطلقه الحاكم ـــ اثر مبالغة الناس في تخليته ـــ بعد أن انتفخ وجهه ولسانه فنقله أهله في حالة يرثى ولم يشك أحد انه يموت من ليلته.

فلما كان الغد غدا عليه الناس فاذا هو قائم يصلي على اتم حال وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت واندملت جراحاته ولم يبق لها اثر والشجة قد زالت من وجهه فعجب الناس من حاله وسألوه عن أمره، فقال:

ـــ إني لما عاينت الموت ولم يبق لي لسان اسأله تعالى به استغثت بسيدي صاحب الزمان، فلما جن الليل فإذا بالدار قد امتلأت نورا وإذا بمولاي قد أمرّ يده على وجهي وقال:

ــ اخرج وكد على عيالك فقد عافاك الله.

فاصبحت كما ترون.

فطلبه الحاكم بعد أن اخبر وذاع صيته في الناس واحضره عنده فلم ير اثرا لما كان منه امس وهو الآن على عكس تلك الحالة فليس به جراحات وقد عادت ثناياه.

فداخل الحاكم في ذلك رعب عظيم، وبلغ من شدة تأثره أن غير معاملته للناس (وكان اكثرهم من الشيعة) فقد كان سابقا يجلس في الموضع المعروف بـــ (مقام الامام عج) في الحلة ويعطي ظهره للقبلة الشريفة، فصار بعد ذلك يجلس على ركبتيه بكل أدب ويستقبلها، وكان يحسن لمحسن أهل الحلة ويعفو عن مسيئهم. الا أن ذلك لم ينفعه فلم يلبث في ذلك الا قليلا حتى مات([80]).


 


([1]) بحار الانوار، ج22 ص 83

([2]) بحار الانوار ، ج 43 ، ص 283

([3]) هو نبي بعثه الله في نينوى وتعرف بالموصل ليدعو قومه للتوحيد وعبادة الله، فلم يستجيبوا لـه، فظن (ع) ان تكليفه قد انتهى دون أن يلتقي امر الله، فترك قومه مغاضباً حتى آل أمره الى البحر فالتقمه الحوت وهناك اخذ يدعو الله ]لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين[ فاستجاب الله دعاءه فانجاه مما كان فيه .

([4]) بحار الانوار ، ج16، ص 217

([5]) بحار الانوار، ج 101 ص 37.

([6]) بحار الانوار، ج 22، ص 107 وج 73، ص 289 مع بعض الاختلاف .

([7]) بحار الانوار ج 16 ص 214

([8]) البحار ، ج 77 ، ص 136

([9]) بحار الانوار ، ج20 ص 63

([10]) بحار الانوار ج 77 ص 182

([11]) بحار الانوار، ج 75،ص 108

([12]) بحار الانوار ، ج 41 ، ص 108و 111

([13]) بحار الانوار ، ج 21، ص 72

([14]) يحار الانوار، ج 2، ص 113

([15]) بحار الانوار ، ج 41، ص 135

([16]) بحار الانوار ، ج 41، ص 52

([17]) بحار الانوار ج 2 ص 52 ، ج 41، ص 73 باختلاف طفيف

([18]) بحار الانوار ، ج 93، ص 94

([19]) صرحت بعض الروايات بالتكبير 34 ثم الحمد 33 ثم التسبيح 33 مرة

([20]) بحار الانوار ، ج 43، ص 85

([21]) بحار الانوار ج 2 ص 3

([22]) بحار الانوار ج 2 ص 8

([23]) بحار الانوار ج 43،ص81 وج89 ص 313، ج93، ص 388 مع بعض الاختلاف الطفيف

([24]) بحار الانوار ، د 43،ص 25

([25]) بحار الانورا ، ج 43 ص 352

([26]) التمغر: أي التغير والتأثر.

([27]) بحار الانوار ، ج 43 ص 345

([28]) رويت بعض الروايات التي صرحت بان البنت هي ام كلثوم والامام الحسين عليه السلام بدلا من الامام الحسن عليه السلام

([29]) اربعمئة او اربعمئة وخمسون وقيل خمسمئة درهما

([30]) بحار الانوار ج44 ص 119 ـــ 120

([31]) بحار الانوار ، ج43، ص 352

([32]) بحار الانوار ، ج44 ، ص 292

([33]) بحار الانوار ج 78،ص 126

([34]) بحار الانوار ، ج 44 ص 394

([35]) بحار الانوار ج 45، ص 335

([36]) بحار الانوار ، ج 46 ص 116

([37]) بحار الانوار ، ج 46، ص 142

([38]) بحار الانوار ، ج 46 ، ص 76

([39]) سورة المؤمنون الآية 101

([40]) بحار الانوار ج 46، ص 81

([41]) بحار الاانوار ج 46 ص 65

([42]) بحار الانوار ، ج 46 ص 247

([43]) بحار الانوار ، ج 2 ص 236

([44]) بحار الانوار ، ج 52 ، ص 126

([45]) بحار الانوار ج 47 ، ص 134

([46]) بحار الانوار ج 47،123

([47]) بحار الانوار ج 47، ص 123

([48]) ظلة يلجأ اليها الناس في النهار هربا من حرارة الشمس، كما انها انسب مكان لاقامة الفقراء والغرباء للمبيت فيها ليلا

([49]) بحار الانوار ، ج 47، ص 20

([50]) الدقة هي الملح

([51]) بحار الانوار ، ج 47، ص 39

([52]) بحار الانوار ، ج 47، ص 77

([53]) بحار الانوار ج 104، ص 37

([54]) بحار الانوار ج 47،ص 79و ج 68،ص 118

([55]) بحار الانوار ، ج 47، ص 374

([56]) بحار الانوار ، ج 27، ص 117

([57]) بحار الانوار،ج 100، ص 441

([58]) بحار الانوار ، ج47 ص 5 9

([59]) سورة الانعام

([60]) بحار الانوار ، ج 48، ص 103

([61]) بحار الانوار ، ج 48 ، ص 174، و 313

([62]) سورة المؤمنون ، الآية 34

([63]) سورة ا الانبياء ، الآية 47

([64]) بحار الانوار ، ج 48 ، ص 141

([65]) سورة الانفال الآية 41

([66]) سورة ا لحشر الآية 7

([67]) البقرة 44

([68]) بحار الانوار ج 49 ص 288

([69]) جاء في بعض الكتب انه كان في يد المأمون باز فاطلقه ليصيد دراجا فعاد بعد مدة يحمل بمنقاره حية صغيرة فجعلها ! في يده ثم سأل الجواد عليه السلام ما في يدي ؟ قال عليه السلام : لقد خلق الله البحار فاذا تصاعدت منها الغيوم حملت معها الحياة الصغار فتصيدها بزاة الملوك، فيجعلها الملوك في ايديهم ليمتحنوا بها جهابذة العلم من ذرية الانبياء . فدهش المأمون وقال : حقا إنك بن الرضا عليه السلام، ولا عجب في هذا الجواب من ولده

([70]) بحار الانوار ج 50 ، ص 56

([71]) منطقة حدودية بين البلاد الاسلامية وبلاد الروم

([72]) احد قضاة المأمون

([73]) سورة المائدة الآية 6

([74]) بحار الانوار، ج 50 ص 5

([75]) بحار الانوار ، ج 50 ص 154

([76]) بحار النوار، ج 50 ،ص 144

([77]) بحار الانوار ج 50 ص 211

([78]) بحار الانوار، ج 51 ، ص 2

([79]) بحار الانوار، ج 52، ص 175

([80]) بحار الانوار ، ج 52،ص70

index